ثقافة وفن

لغتنا العربية في يومها العالمي

| بقلم الأستاذ الدكتور محمود السيد

أصبح من المعروف أن ثمة يوماً عالمياً مخصصاً لكل من اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وأن يوم الثامن عشر من كانون الأول هو اليوم المخصص للاحتفال بلغتنا العربية على الصعيد العالمي، وهو اليوم الذي دخلت فيه اللغة العربية إلى الأمم المتحدة، وأضحت معتمدة فيها إلى جانب اللغات العالمية المعتمدة فيها وهي: الإنجليزية والفرنسية، والإسبانية والروسية والصينية.
ولم يكن دخول لغتنا إلى الأمم المتحدة في هذا التاريخ إلا بعد وقفة العز التي وقفها العرب إبان حرب تشرين التحريرية عام 1973، عندما أثبتوا للعالم أن في تضامنهم قوة فرضت وجودها على الصعيد العالمي، وأخذ العالم يحسب لها ألف حساب مما أغاظ أعداء الأمة، وراحوا يكيدون لهذه الأمة ولغتها، ويعملون على استبعاد العربية من بين اللغات المعتمدة متذرعين بمختلف الذرائع الواهية، مع أن العربية ما كان لها أن تتخذ هذا الموقع، إلى جانب ما جرت الإشارة إليه من تضامن أبنائها، لولا ما تتحلى به أيضاً من انطباق المعايير العالمية عليها، فقد أشارت الإحصاءات العالمية في كتاب «حقائق العالم» في أميركا إلى أن ثمة عشر لغات في العالم هي الأكثر انتشاراً من حيث عدد المتكلمين بها، ونسبتهم من عدد سكان العالم، وكانت على النحو التالي:
اللغة الإنجليزية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 25 بالمئة.
اللغة الصينية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 18.05 بالمئة.
اللغة الهندية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 11.51 بالمئة.
اللغة العربية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 6.60 بالمئة.
اللغة الإسبانية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 6.25 بالمئة.
اللغة الروسية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 3.95 بالمئة.
اللغة البرتغالية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 3.26 بالمئة.
اللغة البنغالية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 3.19 بالمئة.
اللغة الفرنسية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 3.05 بالمئة.
اللغة الألمانية وتبلغ نسبة عدد المتكلمين بها في العالم 2.77 بالمئة.
وجاءت اللغة العربية في المرتبة الرابعة من حيث عدد المتكلمين بها في العالم، إلا أن هذا المعيار وحده غير كاف، إذ تبين أن ثمة نسبة عالمية لعدد المتكلمين في بعض اللغات، ولم تكن بين اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، فهنالك معيار عدد الناطقين الأصليين، وهم من يتحدثون اللغة على أنها اللغة الأم، وعدد الناطقين الثانويين، وهم من يتحدثون بلغة غير لغتهم الأم، ومعيار عدد البلدان التي تعتمد اللغة لغة رسمية، ومعيار وجود المحتوى الرقمي على الشابكة «الإنترنت» ومعيار الانتشار الجغرافي خارج قارتها.
ولقد جاءت اللغة العربية في المرتبة الرابعة في ضوء معيار عدد الناطقين الأصليين، وفي المرتبة الخامسة في ضوء معيار عدد الناطقين الثانويين، وفي المرتبة الثالثة في ضوء معيار اعتمادها لغة رسمية، فهنالك على الصعيد العالمي 45 دولة تستخدم اللغة الإنكليزية لغة رسمية، و30 دولة تستخدم الفرنسية، و25 دولة تستخدم العربية.
وتجدر الإشارة إلى أن للعربية في ضوء معيار المحتوى الرقمي على الشابكة «الإنترنت» وجوداً على الصعيد العالمي.
فهي موجودة في المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في مشروعها (ذاكرة العالم)، وفي منظمة الاسكوا في مشروعها (الحاضنات التقانية)، وفي شركة جوجل في مشروعها (الإنترنت العربي)، وموجودة أيضاً في مواقع دول أخرى في أميركا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وكوريا… إلخ. وثمة انتشار واسع للغة العربية في الإعلام الإلكتروني حيث تزيد القنوات التي تسبح في الفضاء الخارجي على 800 قناة، إضافة إلى القنوات الإذاعية والصحف المطبوعة.
وعلى الرغم من هذا الانتشار للغة العربية واعتمادها لغة عالمية في الأمم المتحدة ومنظماتها فإن نفراً من أبناء اللغة العربية لم يقدروا هذه النعمة التي حظيت بها لغتهم على الصعيد العالمي، ولم يدركوا أن دولاً كبرى لها وزنها على كوكبنا كاليابان وألمانيا وإيطاليا والهند لم تدخل لغتها إلى الأمم المتحدة ولم تعتمد بين اللغات المعتمدة فيها، في حين أن اللغة العربية تتبوأ هذه المنزلة، إذاً نحن نشاهد أن بعضاً من أبناء اللغة العربية يستخدم اللغة الأجنبية في المنظمات الدولية وينأى عن استخدام لغته الأم، ولغته القومية، لغة القرآن الكريم، ويزود بصنيعه هذا أعداء الأمة بالأسلحة التي يحاربون بها لغته، ويعطيهم الذرائع لاستبعادها.
إننا في أمس الحاجة إلى قوانين وتشريعات لازمة لحماية اللغة العربية ووضع حد لهذا التسيب اللغوي على الصعيدين الخارجي والداخلي، كما أننا في أمس الحاجة إلى أن نتزود بالوعي، الوعي بهذه الميزة الإيجابية التي تحلت بها لغتنا العربية على الصعيد العالمي، وأن نكون جديرين بهذه النعمة التي حصلت عليها أمتنا في هذا المجال، وأن نتحلى بالانتماء الحق إلى أمتنا ولغتها الخالدة. وما أجمل النظرة الاستشرافية للكاتب الإسباني «كاميلو خوسه سيلا» الحائز جائزة نوبل عام 1989 عندما أشار إلى أن اللغات القادرة على الصمود في وجه تغيرات العصر أربع لغات وهي: الإنكليزية والإسبانية والعربية والصينية. وهي نظرة تستند إلى عاملي الانتشار والقوة الذاتية في كل من هذه اللغات.
جميل جداً أن نحتفل بلغتنا العربية في يومها العالمي، والأجمل ألا يكون هذا الاحتفال في المناسبات فقط، وإنما أن يتجلى ممارسة في سلوكنا اليوم وفي مناشطنا اللغوية، وأن نكون حريصين على سيرورة لغتنا وانتشارها سليمة على الألسنة والأقلام في جميع قطاعات مجتمعنا، فهذا هو الهدف الذي نسعى إليه حفاظاً على لغتنا وارتقاء بها وتمكيناً لها في واقعنا الثقافي، وهذه هي الغاية السامية التي ينبغي لنا أن تكون هاجسنا في صون لغتنا، ورحم الله أستاذنا العلامة عبد الكريم اليافي القائل:
لم يبق شيء بأيدينا سوى لغة نصونها بسواد القلب والهدب

رئيس لجنة التمكين للغة العربية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن