من دفتر الوطن

كفى المرء نبلاً

| عبد الفتاح العوض

كل منا مزيج من التناقضات..
أشخاص تراهم كما لو كانوا سطح بحر هادئ، لكنهم في واقع الأمر يحملون في دواخلهم براكين من مشاعر مشتعلة.
عادة في المجتمع لدينا تقييمات محددة تماماً مثل نظرية «أسود أو أبيض».
نقول عن شخص ما جيد أو سيّئ، صالح أو طالح، ذكي أو غبي، شريف أو فاسد.
هذه الحدود الفاصلة في تقييمنا للأشخاص تنسحب على معظم رؤيتنا لما حولنا.
في بدايات الكتابة الأدبية في الدول العربية كان ثمة نوع من الشخصيات تم إطلاق تعبير «الشخصية البسيطة» عليها وحفلت الروايات العربية بنوعين من الشخصيات إما أن يكون الشخص خيّراً وإما أن يكون شريراً، وفي هذه المعركة بين الخير والشر تتعارك الشخصيات ودوماً كما في أفلام النهايات السعيدة ينتصر الخير!
بعد ذلك ولأسباب كثيرة مثل تقليد الرواية الغربية أصبحنا نلمس في الأدب العربي الشخصيات المركبة التي لا تحمل بشكل صارخ صفة الخير وحدها أو الشر وحده.
قدمت الشخصية المركبة في الروايات الغربية لأن التحليل النفسي والنظر في مرآة غير مشوهة قادا إلى الاعتراف بأن الشخص أي شخص لا يجلس تحت قاعدة «أسود أو أبيض» فقط.
في الأديان القديمة تتمثل هذه الثنائيات «بآلهة».. فهناك إله للخصب.. وهناك إله للقحط.. وإله للخير.. وإله للشر، وكل إله يقابله إله آخر يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. وفي الثقافة الصينية القديمة هناك الين واليانغ.
فيما بعد أخذت الأديان مفهوم «الوحدانية» أي الإله الواحد، لكن الثنائيات بقيت موجودة في الحياة بشكل عام. وأصبح الإله إلهاً للأخيار مثلما هو إله للأشرار!
لماذا أقول كل هذا؟
بكل وضوح إن هذه النظرة إلى الأشخاص تقودنا إلى عدم فهم بعضنا لبعضنا الآخر وبالتالي عدم تقبل الآخر بشكل عام.
الثنائية صالح أو طالح تعني أن كل ما لا يوافقك الرأي ليس جيداً فقط بل هو سيّئ أيضاً، وهذا ما يشبه «التكفير» ليس الديني فقط بل التكفير الاجتماعي والسياسي.
فلا ينظر أي شخص إلى نفسه على أنه الملاك المنزل من السماء على حين ينظر إلى المقابل على أنه الشيطان الأسود الذي تخرج منه كل الشرور.
ثمة إشارتان سريعتان في هذه المقاربة… الإشارة الأولى أن ليس كل الثنائيات متضادة وهذا ما تحدث عنه ابن رشد بإبداع خاص.
الإشارة الثانية أن وجود هذه الثنائيات والمتناقضات عند الشخص نفسه ليس نفاقاً أو انفصاماً في الشخصية لأنها لا تكون في الزمن نفسه كما لا تكون في البيئة ذاتها فإن كانت في الوقت ذاته وفي الظروف ذاتها قطعاً هي نفاق واضح.
أي منا يحمل في داخله مجموعة من الصفات يغلب بعضها بعضها الآخر في أحايين معينة، لكن بالنتيجة فإن «الميزان» هو الفيصل في الحكم على البشر.
طموح الإنسان أن تزيد فضائله على مساوئه، وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.

أقوال:
حسناً، أُقرّ أني أناقض نفسي (أنا شاسع، وفي داخلي ذوات كثيرة).
الأمر ممل مثل سيرة حياة رجل سعيد يعيش في وقت السلم.
التناقض الاجتماعي كامن في أعماق الشاب العربي، فهو يقلد الشاب الغربي في أفانين الغرام، ولكنه في الزواج يريد تقليد أبيه وأعمامه وأخواله، إنه في غرامياته (دون جوان) وفي زواجه (حاج عليوي)

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن