ثقافة وفن

مجريات اليوم الثاني للمؤتمر الثقافي السوري … ترسيخ مفهوم الحرية والديمقراطية والانتقال من الهويات الجزئية إلى الهوية الوطنية الجامعة

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

الثقافة بناء. الثقافة عمران. الثقافة حضارة جامعة لمكوّنها الإنسان. علينا اليوم أن نعترف بأننا نواجه شرخا كبيراً في بنية الذات السورية أنتجته سني الأزمة الثماني، كما علينا أيضاً بذل كل جهد ممكن لتعزيز الوعي بالهوية والمواطنة وما تفرزه من معرفة ضرورية في الحقوق والواجبات، لترقية وتطوير الفكر الإنساني المعزّز لقيم الديمقراطية والحرية، هذه القيم الوطنية المغيّبة عن البناء الحقيقي للإنسان السوري والتي يقع على عاتق المؤسسات التربوية والثقافية النهوض بجدّية بهذه الأعباء. لهذا وبرعاية من رئاسة الحكومة ووزارة الثقافة وتحت شعار«إعادة إعمار الإنسان السوري»، استمر المؤتمر الثقافي السوري في يومه الثاني في قاعة مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، بجلساته الأولى والثانية والختامية، والتي تخللها إثارة العديد من القضايا الجادة والمتجذرة بالواقع الثقافي السوري الراهن، مع إبراز الحلول الواجبة والمساعي المطلوبة والتوصيات، ضمن المحورين الثالث والرابع في مداخلات قدمها المشاركون بندوات الجلسات، والتي سنزودكم بما جاء فيها تباعا…

الدولة الوطنية في حالات ما بعد الحرب

في متابعة محاور مؤتمر الثقافة السوري في يومه الثاني، وعند المحور الثالث «مشروع استكمال الدولة الوطنية، وترسيخ مفهوم الحرية والديمقراطية، والانتقال من الهويات الجزئية إلى الهوية الوطنية الجامعة، ودور الفكر النقدي في بناء الدولة العصرية». تحدث د. عقيل محفوض تحت عنوان «مشروع استكمال الدولة الوطنية وترسيخ مفهوم الحرية والديمقراطية» وحول الدولة الوطنية في حالات ما بعد الحرب:قراءة في ضوء الأزمة السورية، بيّن موضحا «ظاهرة الدولة في المشرق وسورية تحديدا، وإشكالية الدولة، ومقام الدولة في الأزمة والحرب، وكيف أن السوريين أظهروا ديناميتين متعاكستين، الأولى هي استهداف الدولة بوصفها «خصم» و«غنيمة»، ومحاولة إقامة كيانات دولتية أو شبه دولتية بتأثر عوامل عديدة منها التدخل الخارجي، والثانية هي التمسك بالدولة والدفاع عنها بوصفها الإطار الجامع للسوريين والقوة الرئيسة لمواجهة الأزمة وإعادة البناء لمرحلة ما بعد الحرب. ثم مفردات إطارية حول «إعادة إنتاج» الدولة في حالات ما بعد الحرب، بالتركيز على حالة سورية.

في وعي الهوية والمواطنة
ما زلنا في الجلسة الأولى التي أدارها د. عبد اللـه الشاهر، في حين أبرز د. حسين جمعة في مداخلته وتحت عنوان «الانتقال من الهويات الجزئية إلى الهوية الوطنية الجامعة» بأن الثقافة ضرورة وعي الإنسان لذاته ووجوده، والتحرّك فيه وفق أنساقه الموضوعية المتعددة، والتماهي في منظومة القيم التي ينتمي إليها تماهيا، ليس قائما على وعي زائف أو مشوّه، أو كاذب أو مضلل للعقل والمشاعر. ويضيف د. جمعة «ومن ثم فالوعي إدراك وفهم واستيعاب وقدرة على التحليل لصيغة الانتماء والسلوك الذي يجذّر مفهوم التفاني في الدفاع عن الذات والجماعة التي تنتمي إليها، والتي تميّزت بخصائص مشتركة وفريدة تجعلها مغايرة لغيرها، ولكن لا على أساس التناقض والصراع، وإنما على أساس الفرادة، وهو ما عُرف بالهوية، والغناء في بوتقتها. وبناء عليه فالهوية صورة مطابقة للوطن ليس بوصفه بقعة جغرافية ولد فيها المرء ونشأ و… ولكن بوصفه منظومة من قيم ومبادئ تشرّبها، وعزّزت لديه فكرة الروح المشتركة للانتماء إلى الوطن، والتي عرفت بالمواطنة. ونحن اليوم بعد نحو ثماني سنوات من عمر العدوان العالمي الإرهابي على سورية، والذي أحدث شرخا في بنية الذات السورية والوطنية… نحن محتاجون إلى تفعيل الوعي بالهوية والمواطنة بوصفها اندماجا حقيقيا في المشاركة والمسؤولية وتحقيق مصالح أبناء الوطن في صميم الحقوق والواجبات والجدالة… نحن محتاجون إلى إعادة تربية الذوق الوطني وفق منظومة المواطنة التي ترتقي بتطور الفكر الإنساني الذي يعزز قيم الديمقراطية والحرية والأصالة وفي صميم الكرامة الإنسانية».

دور الفكر النقدي في بناء الدولة المعاصرة
ما زلنا في الجلسة الأولى وفي مداخلة د. عاطف البطرس وتحت العنوان أعلاه، بداية قام د. البطرس بتعريف الفكر النقدي موضحا «الفكر النقدي هو طريقة في التفكير، تستند إلى منجزات العلم الحديث، لا يوجد عندها مطلقات، كل شيء قابل لإعادة النظر والبحث والتأمل، الثوابت تتبدل وتتحول في سياق المتغيرات الثابتة الوحيد في طريقة التفكير، هو قانون المتغيرات. تجاوز طريقة التفكير النقدي نمط التفكير الخطي، الانطلاق نحو منطق التفكير التشابكي لا يعترف بمنهجية التفكير النقدي بالواحد المطلق، وإنما يعتقد بالمتعدد والمختلف، وبالتنوع أساس الوجود في الطبيعة والمجتمع. أساس الفكر النقدي مبدأ الشك العلمي المستند إلى حقائق الوجود والتجربة الإنسانية….
الفكر النقدي منفتح على تجار الشعوب ومستوعب لمنجزها الإنساني. يؤمن بالعلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل. متحرر من عقدة النقص أمام الثقافات الأخرى، مستند إلى تملّك معرفي معاصر بتاريخ ولتراثه الفني».

السياسات الواجبة لتكوين الوعي الوطني
تحت عنوان «السياسات الثقافية التي ينبغي اتباعها من أجل إشاعة قيم التسامح والحوار ونبذ التعصب وإعادة الاعتبار لمنظومة القيم، وتحصين الإنسان ثقافيا ومعرفيا». جاءت مداخلة د. عبد اللـه الشاهر تحت عنوان «السياسات الثقافية التي ينبغي اتباعها في إعادة تكوين الوعي الوطني» حيث يوضح التالي «يرى الباحث أنه لابد من الوقوف على محددات الثقافة الوطنية السورية وتباين ماهيتها، وخصائصها، وعناصر تكوينها وتكونها ومستوياتها وأنواعها، ومكامن الضعف والقوة فيها، وكذلك كيفية تكوينها نشوءا وارتقاء، وطرق المحافظة عليها وتطويرها، والوسائل التي عبرها تنتقل الثقافة من جيل إلى جيل، وكيفية التغير في الثقافة السائدة؛بالشكل الذي يجعلها ملائمة ونافعة لمعطيات العصر وطموحات المجتمع، والأثر الذي يفترض أن تتركه الثقافة الوطنية على المجتمع بشكل عام، لأن الثقافة تجمع بين كونها منتجا وإنتاجا باعتبارها المنظار الذي يرى الفرد منها ذاته ومجتمعه من خلال التراث والهوية والقيم والمعتقدات والمعارف والفنون والعادات التي يتم استهلاكها وإعادة إنتاجها من أجل أن تظل الثقافة ذلك الشائع الغامض في حياتنا وسلوكنا والواقع خارج حدود الوعي الفردي والجمعي على حد سواء».

تحصين الإنسان ثقافيا ومعرفيا
تحت عنوان «دور السياسات الثقافية في تحصين الإنسان معرفيا وفكريا» طرح د. كريم أبو حلاوة في مداخلة السؤال التالي (أي سياسات ثقافية نحتاجها لإعادة تكوين وعي الإنسان السوري، لتحصينه معرفيا وثقافيا، وما موقع الثقافة في هذه العملية؟) وتابع قائلا «تفترض هذه الدراسة أن البعد الكاشف للأزمات والحروب قد يكون عاملا مساعدا في عملية التشخيص والنقد والمراجعة التي تغدو ضرورية وغير قابلة للتأجيل، وخصوصاً أن المشكلات والظواهر الاجتماعية والثقافية تترك تأثيرات مديدة في قضايا التماسك الاجتماعي والهوية الوطنية والمكونات الثقافية الأكثر تأثرا بالحرب، مثل ثقافة المواطنة وثقافة العمل وثقافة العيش المشترك والمشاركة، ففي هذه الأنساق الثقافية الفرعية تتعايش وتتصارع أنماط من الممارسات الثقافية التي تنتج النزوع الانقسامي والانفصالي والتذرري، أو تنتج في الوقت ذاته النسغ الذي يقوي التماسك الاجتماعي ويجعل من التنوع والاختلاف أقانيم لإنتاج ما هو مشترك ووجودي يجمع السوريين رغم تنوعهم الإثني واللغوي والديني والمناطقي، ويتجاوز الولاءات التقليدية الضيقة نحو ولاء وطني مشترك يعترف بالتنوع ولا يتبعثر في تفاصيله، ويحتفي بالجمعي والمشترك دون إلغاء الخصوصيات».
قيم التسامح والحوار ونبذ التعصب

من جانبه بيّن د. إسماعيل مروة في مداخلته المعنونة بـ«قيم التسامح والحوار ونبذ التعصب وإعادة الاعتبار لمنظومة القيم» بأنّ منظومة القيم المجتمعية تخضع لمجموعة من المؤثرات، وهذه القيم هي التي تحكم المجتمع بكل ما فيه وبكل تفاصيله. ويضيف موضحا «ومما لا شك فيه أن مجموعة هذه القيم خضعت لمؤثرات عديدة أسهمت في ليّها وتحويلها من جانب إلى آخر. فلم تعد هذه القيم تمثل مجتمعا بكل تفصيلاته بل صارت خاضعة للمؤثرات الآنية فتارة يحكمها الجانب الأخلاقي وتارة الجانب الديني وتارة الجانب الإيديولوجي وكل مؤثر من هذه المؤثرات يرى أنه هو الحقيقة أو إنه المستحق للتسديد ولا يخفى عن المتابع أن العقود الأخيرة شهدت انحساراً لمنظومة القيم الوطنية لمصلحة المؤثرات السابقة الذكر. ولذلك لغياب البناء الحقيقي للقيم الوطنية التي تقع على عاتق المؤسسات التربوية والثقافية واللتين انحسر دورهما لمصلحة المؤثرات الأخرى، وبالتالي يدور البحث حول هذه القيم الضائعة والقيم البديلة».

موجز للبيان الختامي للمؤتمر
إن مؤتمر الثقافة السوري المنعقد في رحاب مكتبة الأسد الوطنية برعاية من السيد رئيس مجلس الوزراء، إنما يجسد تطلعات المثقفين إلى إعادة تكوين الوعي الوطني والثقافي، بالتحولات الكبرى التي طرأت على المجتمع السوري والعربي بعد انتصاره المحتوم على قوى الشر والبغي والتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي انقضت على الدولة الوطنية السورية، ومارست بحقها وبحق شعبها أبشع جريمة منظمة خُطط لها بليل ونُفذّت بأيد ملطخة بالتخلف والجهل.
لهذا كله جاء المؤتمر بعد ثماني سنوات عجاف من عدوان قذر على سورية وشعبها، لينحاز إلى العقل الإدراكي الواعي والمتوازن لإعادة بناء وعي المواطن بمرتكزات الدولة الوطنية وثقافتها الفكرية والسياسية والإعلامية والخلقية، مرتكزات تستند إلى رؤى علمانية حضارية، قادرة على كشف الأضاليل التي مارسها أعداء الثقافة والحياة لقتل كل ما هو جميل في النفوس والضمائر، والتحرر من ثقافة الخرافة والوهم، والإلغاء والقتل، والنهب والاغتصاب، والتحرر من هذه الثقافة التي تقاسمت العداوة للوطن والأمة مع الثقافة الاستعمارية الاستعلائية للدوائر الصهيو/ غربية/ أميركية، وأساسها السيطرة على مقدرات الأمم وسلب إرادتها وانتهاك سيادتها الوطنية.
لذا نحن محتاجون إلى غرس المودة بين أبناء المجتمع الوطني الواحد وفق روح المواطنة الحرة المسؤولة وتنمية الوعي بمفاهيم العدالة والمساواة وسيادة القانون.
وخاصة لكون الثقافة التي يتبناها مثقفو قطرنا هي ثقافة التحرر ومقاومة مشاريع الهيمنة والتفتيت والتقسيم، والتي جعلها جيشنا البطل مبدأه وعقيدته فواجه أعتى المؤامرات الصهيونية والاستعمارية والرجعية والإرهابية، وقدم الشهداء مشاعل نور على طريق السيادة والكرامة، وقد حضنه شعب حضاري أمانة وشرفا في ظل قيادة حكيمة للقائد الحكيم بشار الأسد.

برقية تحية لقائد الوطن الرئيس بشار الأسد

سيادة الرئيس المفدى
تحية الصمود والانتصار

في ظل قيادتكم الحكيمة التي أدت إلى صمود شعبنا العظيم، استطاع جيشنا العقائدي تسطير بطولات أسطورية وتضحيات مشرّفة أسقطت أبشع جريمة في التاريخ لإرهاب التنظيمات التكفيرية المدعوم بأعتى قوى البغي والعنصرية بقيادة الدوائر الصهيو/أميركية المتحالفة مع عتاة الرجعية العربية وأطماع سلالة السلطنة العثمانية. وقد خطط لهذه الجريمة بليل لاستهداف الدولة الوطنية السورية والنيل من وحدة أرضها وشعبها.
لذا تداعى مثقفو الوطن بإدارة وزارة الثقافة إلى عقد مؤتمرهم الثقافي السوري في مكتبة الأسد الوطنية يومي(17/18-12/2018) لمعالجة تداعيات الإرهاب التدميري للتنظيمات الإرهابية التي نابت عن أسيادها في تنفيذ إجرامها.
وقد توصل المؤتمرون إلى توصيات ومقترحات ترسخ الانتماء الوطني وتحصن الوعي بالروح الوطنية والقومية، وتجذّر مفهوم المواطنة وهويتها في النفوس والضمائر وقد تطهرت من أوهام الخرافة والدجل والكذب التي أحدثتها الأزمة الكارثة في نواح شتى خلال ثماني سنوات.

سيادة الرئيس
سيبقى المثقفون الجُند الأوفياء لمسيرتكم الفكرية في التطلع إلى بناء دولة علمانية متقدمة ورائدة تنفي التخلف والجهل عن الذات الوطنية وتجعل التراث نهوضاً، والانفتاح على الآخر ثقافة وارتقاء لا تبعية ولا ذوبان فيها.

وتقبلوا سيادتكم كل احترام

المشاركون في المؤتمر

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن