قضايا وآراء

تسييس المسيّس

| محمد نادر العمري

بات من المسلم به وبعد مرور ثماني سنوات من الحرب على سورية أن الأطراف التي شكلت مرتكز المحور المعادي لدمشق لم تعد تمتلك أوراقاً كافية وأدوات ضغط جديدة تمكنها من فرض سياساتها، لذلك هي تسعى بكامل إمكاناتها نحو إيجاد مبررات لها سواء لإبقاء تدخلها في المشهد السوري تحت تسميات متعددة، أم لممارسة الضغوط السياسية كلما تعرضت أدواتهم العسكرية لانتكاسة وتراكمت هزائمهم، فالحرب على الإرهاب والمطالبة بالإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية والمحاولات المتكررة لإحياء مسار جنيف وتقويض مسار سوتشي وربط إعادة الإعمار بالإذعان للشروط السياسية وتوظيف الملف الكيميائي، جميعها ملفات يمكن تشبيهها بالزوايا التي تسعى هذه الدول لتدويرها وأوراق تتمنى خلطها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
الملاحظ من خلال استخدام هذه الملفات هو الغطاء الدولي التي تسعى الدول المعتدية على سورية إلى الحصول عليه أو الانطلاق منه كمرتكز أساسي في إدارة صراعها مع دمشق وحلفائها، وفي مقدمة هذه الملفات «الموضوع الإنساني» الذي طالما تباكت هذه الدول على الشعب السوري في طرحه ناطقة بحقوقه ومدافعة عن مظالمه في المحافل الدولية والإقليمية، كما لو أن هذه الدول تحولت لجمعيات إنسانية مهمتها ترسيخ حقوق الإنسان والدفاع عنه، متناسية بشكل متعمد ومقصود أنها ساهمت بشكل مؤثر وفاعل في حدوث أزمات إنسانية للسوريين عبر العقوبات الاقتصادية التي كان لها امتداد تأثيري سلبي على الشعب بشكل أكبر مما هو عليه على مؤسسات الدولة، ودعمت التنظيمات المسلحة بمختلف تسمياتها وإيديولوجياتها، التي بدورها أوجدت مناخات الفوضى والإرهاب والقتل وأدت لهروب المدنيين ونزوحهم.
وقد اتخذ التوظيف التسييسي للملف الإنساني أشكالاً أو وجوهاً متعددة، كان أبرزها ما يطلق عليه «الإدارة بالأزمات» بمعنى آخر افتعال الأزمات داخل الأزمة الواحدة لعرقلة الوصول إلى حل سياسي، ولذلك سعت الولايات المتحدة الأميركية عبر مساعد الأمين العام السابق للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان لهندسة قرارات تحمل الطابع الإنساني للضغط على الحكومة السورية من جانب ولإيصال الدعم للمجموعات المسلحة وللمسلحين بطرق ووسائل شرعية وبغطاء إنساني من جانب آخر.
هذا يقودنا للتساؤل: ما الأسباب التي دفعت معظم أعضاء مجلس الأمن إلى تمديد العمل بالقرار 2165 المتضمن «إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود مباشرة» مدة عام إضافي رغم أن موازين القوى والظروف السياسية والميدانية أصبحت تميل لكفة الحكومة السورية منذ تاريخ صدوره في 14 تموز 2014؟
الإجابة عن ذلك تقودنا لمقاربة جديدة تسعى الولايات المتحدة الأميركية، من وجهة نظري الشخصية، لترسيخها في توظيف هذا الملف، فواشنطن سابقاً كانت تهدف لتسييس هذا الملف واستثماره، وكما بات معروفاً للجميع، للضغط السياسي على دمشق ولإحراج حلفاء دمشق أمام الرأي العام العالمي، أما اليوم فإن التوظيف أصبح يستهدف المواطن السوري والشاب السوري بشكل أكبر وأساسي، ومما يعزز هذه المقاربة النقاط التالية:
1- يمكن قراءة أبعاد هذا التمديد في سعي الدول الغربية وبخاصة واشنطن لإيصال رسائل للاجئين السوريين في الخارج بأن المساعدات تقدم فقط للسوريين الموجودين داخل مناطق سيطرة المسلحين، الأمر الذي يعرقل أو يؤجل عودة هؤلاء، وهذا يأتي في السياق الذي كان يهندسه فيلتمان، عبر سنوات داخل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها لعرقلة عودة اللاجئين وتأخير إطلاق مشروع إعادة الإعمار.
2- استمرار الدول في ضخ السلاح وتزويد المجموعات المسلحة بالمقاتلين والسلاح تحت غطاء إنساني، باعتبار نقاط إدخال المساعدات تتم عبر معابر حدودية للدول التي تدعم المسلحين كباب السلام وباب الهوى واليعربية.
3- الضغط على الشبان السوريين القادرين على حمل السلاح في المخيمات أو الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الأميركي المباشر أو غير المباشر، للانخراط ضمن المجموعات المسلحة التابعة لها من خلال استغلال أوضاعهم المعيشية السيئة وتردي ظروفهم اقتصادية، ومنع وصول المساعدات الحكومية لهم ووضعهم بين خيارين أحلاهما مر: إما مواجهة مصير الموت نتيجة سوء التغذية ووجود المجموعات الإرهابية على تماس مباشر معهم، وإما الموافقة على العرض الأميركي المغري الذي يصل لـ600 دولار في مخيم الركبان.
4- حصر استلام المجموعات المسلحة لهذه المساعدات في ظل عدم وجود آلية توزيع تتم في المناطق التي يتم إدخال المساعدات إليها.
5- المقارنة بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة ووضعهم في سياق واحد في الواجبات والمسؤوليات، كإدانة القرار الأساسي الصادر في 2014 وتمديداته للحكومة السورية والمجموعات المسلحة للانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
6- جعل هذه المساعدات إحدى الوسائل الرئيسية لتمويل المجموعات الإرهابية التي تسيطر على المعابر الحدودية وبخاصة «هيئة تحرير الشام» واجهة جبهة النصرة المصنفة إرهابية على قوائم مجلس الأمن التي تفرض إتاوات على المساعدات التي تدخل عبر الحدود وتحديدا عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية الأمر الذي يعد تمويلا مباشراً للإرهاب في خرق لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بتجفيف منابع الإرهاب وعدم تسهيل دعمه، ولاسيما القرارات 2178 و2253 و2396 تماما على غرار ما فعلته حكومة قطر عندما دفعت ملايين الدولارات لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي بذريعة دفع الفدى لإطلاق سراح رهائن محتجزين لدى هذا التنظيم.
7- الأهم من ذلك أن الأمم المتحدة بضغط من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تخالف ميثاقها الأممي وتناقض سلوكها وتشوه حقيقة الأرقام والمعطيات، فهي تبحث عن وسائل سحب الشرعية عن الحكومة السورية عبر إخطارها فقط بدخول المساعدات، رغم أنها في الوقت ذاته تخضع للأمر الواقع بشرعية هذه الحكومة عبر ممثلها الدائم في مجلس الأمن والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.
يبدو أن الملف الإنساني سيبقى خياراً أو مساحة مناورة للدول المعتدية على سورية يتم توظيفه نتيجة افتقارها للخيارات الأخرى، ويبدو جلياً أيضاً أن تقسيم المقسم هو الوسيلة المثلى لتعقيد المشهد السوري من هذه الدول سواء في توظيف هذا الملفات أم غيرها من الملفات، وهذا يضع الدولة السورية وأصدقاءها وحلفاءها، أمام مسؤولية لا يستهان بها في سحب هذا الملف من الاستثمار السياسي، وهذا يتطلب زيادة العمل الحكومي وتسريع عودة المواطنين إلى المناطق التي تم تحريرها واتخاذ المزيد من القرارات التي تعزز ثقة المواطن بمؤسسات دولته وهو يسهل إجراءات عودة اللاجئين في الخارج للمساهمة في إعادة الإعمار التي لابد أن تكون لمصلحة الشعب السوري ولتحسين مستوى معيشته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن