ثقافة وفن

الفنان يوسف المقبل الفائز بجائزة مهرجان قرطاج المسرحي الحالية … إذا لم تسارع المؤسسة الرسمية بوضع خطة إسعافية لإنقاذ الدراما التلفزيونية فإنني أرى مستقبلاً سيئاً ينتظرها

| هناء أبو أسعد

بالموهبة والثقافة لا بالحظ صار ممثلاً مشهوراً، من المرحلة الثانوية بدأ مشواره الفني المملوء بالدراما والمسرح، مسيرة فنان استطاع بهدوء وصمت ومثابرة أن يراكم تجربة تستحق الوقوف عندها وتسليط الضوء على أبرز مفاصلها، «الوطن» التقت الفنان يوصف المقبل في هذا الحوار:

يقول المخرج الإيطالي «فرانكو زفيرللي» عندما يكون لدينا مسرح نمتلك القدرة على تغيير العالم،هل تقف مع هذه الرؤية؟
المسرح كمكون أساس من ثقافة أي مجتمع يستطيع أن يساهم مساهمة فاعلة في تغيير المجتمع.. تغيير البنية الاجتماعية وتطويرها باتجاه قبول أي أفكار جديدة تساهم في تطور المجتمعات نحو الأفضل.

بداياتك كانت من خلال المسرح المدرسي وكنت حينئذ طالباً في المرحلة الثانوية، حصلت في هذا العمر على جائزة لمشاركتك في مسرحية «الذراع المقطوعة» إخراج حسن عقلة.. بعدها انتقلت إلى المسرح الجامعي ومن ثم الفلسطيني ومسرح المنظمات الشعبية «شبيبة عمال..» حبذا لو تكلمنا عن تجربتك تلك وأنت في سن الشباب؟
كغيري من أبناء جيلي وحين لم يكن قد افتتح المعهد العالي للفنون المسرحية لم يكن أمامنا إلا المسرح المدرسي ومسرح المنظمات الشعبية، فقد كانت بدايتي في مسرح الشبيبة المدرسي في مسرحية القضية والحل من إخراج زيناتي قدسية ثم تتالت المشاركات ومن ضمنها مهرجان الهواة الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة قبل إنشاء مسرح المنظمات الشعبية فقد شاركت في آخر دورتين منه ثم انتقلت للعمل في المسرح الجامعي وكان حينها في أوج تألقه أيام المرحوم فواز الساجر ونائلة الأطرش.. بعد ذلك عملت مع المسرح الوطني الفلسطيني بأكثر من عرض مسرحي وشاركت معه في أكثر من دورة من دورات مهرجان دمشق المسرحي.
انتقلت إلى المسرح القومي بعد ذلك وكانت لك تجربة مثمرة جداً نتج عنها أكثر من خمسين عرضاً أو أكثر بقليل منها «السفربرلك – الغول – حلاق بغداد – يوم من زماننا – بياع الفرجة – العين والمخرز – مسعود سيف اليزن – الغزاة – حنظلة ابن ناجي العلي – صالح العبد صالح –مونودراما أبو العبد – رأس الغول –الدرس…. وأعمال أخرى كان آخرها مسرحية تصحيح ألوان التي قدمت في عام 2017 على خشبة مسرح القباني وضمن مهرجاني حمص وحماة.

ماذا عن تجربتك في المسرح القومي وماذا أضاف لتجربتك السابقة؟
في العام 94 دعيت للمشاركة في المسرح القومي وكانت البداية مسرحية سفربرلك تأليف المرحوم ممدوح عدوان وإخراج د. عجاج سليم وتتالت المشاركات إلى اليوم لتتجاوز الخمسين عرضا مسرحيا لعبت فيها شخصيات متنوعة وكانت كلها تقريباً من العروض الجيدة في مسيرة المسرح القومي وكانت مع أكثر من مخرج مسرحي من عجاج سليم إلى تامر العربيد إلى هشام كفارنة ومحمود خضور وعروة العربي، ولكن الحصة الأكبر كانت من إخراج الصديق زيناتي قدسية
وأعتقد أن تجربتي في المسرح القومي أنضجت تجربتي المسرحية ونقلتني إلى مستوى أكثر احترافية.

«تصحيح ألوان» ستشارك هذا العام ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج المسرحية وكنت قد جسدت دور جابر ابراهيم الإنسان المتسلق التي يشبه الكثيرين في مجتمعنا.. هل برأيك هذا النوع من المسرح يلقى القبول عند الجمهور؟
مسرحية تصحيح ألوان من العروض المهمة التي شاركت فيها واعتبر شراكتي مع الصديق سامر محمد إسماعيل وميريانا معلولي وبقية فريق العمل من التجارب المهمة في مسيرتي المسرحية والمحببة إلى قلبي.. ونحن بحاجة ماسة إلى هذا النوع من المسرح الذي يفتح جراح المجتمع ويقوم بنبش الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة، وكثير منها اعتبره سببا لما يجري في بلادنا إن كان على مستوى الأفكار أو الأشخاص من هم على شاكلة جابر إبراهيم ومن لف لفه.. وعندما عرض هذا العرض في دمشق وحمص وحماة لاقى القبول والاستحسان من الجمهور.

على الرغم من الحرب إلا أن صالات العرض بقيت مكتظة بجمهور المسرح، برأيك ماسبب استمرار العروض؟
تجربة المسرح السوري خلال الحرب.. تجربة مميزة وأنا لم أغب عن خشبة المسرح خلال سنوات الحرب القاسية «الميراث – هاملت – طبق الأصل – تقاسيم على درب الآلام – مدينة في ثلاثة فصول – تصحيح ألوان» وكان الجمهور يملأ صالات العرض بشكل غير مسبوق وكأنه أدرك أهمية المسرح في مواجهة هذه الحرب القذرة وما تحمله من فكر أسود تكفيري يدمر بنية المجتمع فالتف حول المسرح أداته المهمة في المعرفة والتغيير والأساس هو حماسة الفنانين والفنيين للمساهمة في معركة الدفاع عن الوطن.

ننتقل إلى الدراما وقد شاركت في الكثير منها، وخاصة الدراما التاريخية» حيث كان أول أدوارك تاريخياً «عز الدين القسام» عام 1981 مع المخرج هيثم حقي وتتالت الأعمال «طرائف أبي دلامة – الزير سالم – صقر قريش – أبو الطيب المتنبي – فارس بني مروان – المرابطون في الأندلس – عنترة… وأعمال كثيرة،» ما السر في نجاح هذا النوع برأيك؟ وهل ملامحك القاسية تجعل المخرجين يختارونك للدراما التاريخية أم حبك لهذا النوع يجعلك تجسد الأدوار التاريخية؟
في التلفزيون الأمر مختلف فأنت لا تختار الدور.. بل الدور هو الذي يختارك فلك أن تقبل أو ترفض.. والأعمال التاريخية أقرب إلى نفسي فهي الأصعب وأعتقد أن أحد أسباب اختيار المخرجين للممثلين هو الموهبة والتمكن من اللغة… هذا هو الطبيعي وبعيداً عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية التي تسود أوساطنا دائماً.

في وسط كل هذا التدمير الممنهج لكل ما هو راقٍ في الفكر الإنساني، هل لديك قناعة بأن التغيير يمكن أن يكون عبر الثقافة والفكر والفن والمسرح؟
طبعاً من المؤكد أن الثقافة والفن والمسرح هي السلاح الأمضى في مواجهة الدمار والخراب… ولكن على المؤسسة الرسمية أن تقوم بدعم الثقافة وإلا كانت خسارتنا كبيرة.. نحن كمثقفين عموماً وكمسرحيين على وجه الخصوص نقاتل بأسلحة غير متكافئة مع هذا الفكر الأسود الذي غزا مجتمعنا من زمن وقبل بدء هذه الحرب القذرة ولنعترف بأن المؤسسة الرسمية المعنية بالشأن الثقافي قصرت كثيراً في دعم المثقف عموماً والمسرح خاصة وما إصرارنا على العمل والحضور في المسرح إلا حبنا لهذا المكان ومحاولة الصمود وعدم الانهزام.. وعلى المؤسسة الرسمية في المرحلة القادمة دعم المسرح والمسرحيين.

في سنوات الحرب تراجع مستوى الدراما، بعد أن كانت قد سوقت الفنان السوري الذي أصبح معروفاً في العالم العربي، مالسبب في رأيك؟
تراجعت الدراما لأكثر من سبب ونستطيع أن نتحدث ساعات في هذا الشأن ولكن بعيداً عن حصار المحطات وعدم توزيع المنتج فإن استباحة كل مفاصل العمل الدرامي من كتابة وتمثيل وإخراج وفنيين من قبل كل من هب ودب وعدم قيام نقابة الفنانين ووزارة الإعلام بحماية هذا المنتج من هذه الاستباحة أدت إلى هذا التردي المهين.. حتى مؤسسة الإنتاج التلفزيوني التي أحدثت لحماية هذا المنتج والحفاظ على كرامة الفنان تمت استباحتها وبدأت تتراجع مستويات إنتاجها إن كان فكرياً أو فنيا وكما يقال بالعامية لحقت السوق.

هناك هجمة على الدوبلاج من قبل الممثل السوري، هل توافق على ذلك، أم لا؟
لست ضد الدوبلاج وخاصة في ظل امتهان كرامة الفنان في شركات الإنتاج التلفزيوني وقلة أجور العاملين في المسرح فنانين وفنيين.. أعتقد أن الدوبلاج حقق للكثير من الزملاء الحد الأدنى من المعيشة ولو كانت المهنة بخير من حيث الإنتاج والتمثيل والكتابة لترك الكثير من الزملاء الدوبلاج ولكن ما باليد حيلة.

بغرض نشر المسرح والثقافة المسرحية، إضافة إلى العروض المسرحية، كان هناك مشروع «منمنمات تاريخية» وهو قراءات مسرحية؟ ما رأيك في ذلك؟
القراءات المسرحية نوع موجود في مسارح العالم وهو خطوة جيدة وبحاجة لدعم المؤسسة الرسمية أكثر.

هل تجد المسرح أقرب إلى شخصك من الدراما؟
لا أحب التنظير كبعض الزملاء الذين يصرحون في اللقاءات التلفزيونية أن المسرح عشقهم الأول والأخير، والبعض منهم لم يعتل خشبة المسرح طوال حياته وفي جلساته الخاصة يقول «بلا مسرح بلا وجع قلب» يكفي أن أقول لك إنني شاركت في أكثر من 160 عرضاً مسرحياً.. ولكن العمل في التلفزيون مهم أيضاً وكنت دائماً أقول إن عودة الفنانين المشهورين تلفزيونيا للمسرح مكسب للمسرح إذا كانوا موهوبين.. ولو كانت الأجور في المسرح تؤمن للفنان الحد الأدنى من المعيشة لأصبح يختار أدواره في التلفزيون ولأعاد إلى قاموسه مفردة «لا» للكثير من الأشياء.

قدمت الكثير من الأعمال التاريخيةبرأيك كم نحن بحاجة لمثل هذه الأعمال؟ وهل تؤثر في الشارع، وفي تغذية الحس الوطني والمقاومة؟
أعتقد أن المهمة الأساسية للدراما هي تقديم أعمال تلامس هموم المواطن العربي وما يعاني منه من خيبات على مر التاريخ والأعمال التي تتناول القضايا الكبرى كقضية فلسطين أعمال يحب المواطن العربي متابعتها، ولكن سياسة المحطات لا ترغب في أعمال كهذه بل تميل إلى مسلسلات التسلية فقط ما ساهم في ضياع الهوية الوطنية لجيل الشباب وأعتقد أن هذه الأعمال لا تفضل شركات الإنتاج الخاصة الخوض فيها فهي من مهمات مؤسسات الدولة وباعتباري من أبناء الجولان المحتل أسأل أين الأعمال التي تتحدث عن الجولان تاريخ أهله وصراعهم مع الصهاينة حتى قبل عام 1976.

كيف انعكس الواقع، خلال سنوات الحرب الماضي، على مضامين الدراما والمسرح السوري؟
وهل يمكننا القول إن النص الدرامي بأشكاله المختلفة «تلفزيون –مسرح –سينما –إذاعة» أصبح أكثر واقعية واقتراباً ولامس الجرح السوري؟
برأيي الشخصي لم تستطع كل الأعمال التي تناولت الحرب مقاربة حقيقة ما يجري إلا في نتائجه فقط، دون الخوض في الجذور البعيدة لما جرى والأسباب الحقيقية لهذه الحرب كما أنني أرى أنه من المبكر الخوض فيها، طبعاً استثني بعض التجارب القليلة في المسرح والسينما والتلفزيون مع يقيني بأن ما يجري لا يستطيع عمل واحد استيعابه بل يتطلب عشرات الأعمال العميقة الواعية البعيدة عن الدعائية رغم أننا نحتاج إلى بعض الأعمال التي ترسل رسائل توضيحية مباشرة للرأي العام العربي والدولي.

واقع الدراما العربية عموما، أهي قريبة من الواقع وتعبر عن قضايانا الجوهرية أم لا؟
الكثير من الأعمال العربية وخاصة التلفزيونية تغرد خارج سرب اهتمامات المواطن العربي واستثني من ذلك المسرح فهو الأقرب للمواطن ومشاكله وملاحقة القضايا الساخنة وقليلا السينما، عموماً أعتقد أنه قد بدأت تظهر من جديد ظاهرة الفن للتسلية والتسرية وأصبحنا نرى الكثير من المهرجين الفنانين.

رأيك بالأعمال العربية المشتركة؟
أغلب الأعمال العربية المشتركة الهدف منها التسويق للمحطات، والخليجية بوجه خاص، فيتم تصنيع حكاية مركبة وبشكل غير مقنع تضم السوري واللبناني والمصري والعراقي والخليجي والمغربي والإنتاج غالباً خليجي وفي أغلبه ليس حسن النية وخاصة عندما انتشرت ما تسمى «البان آراب» وتحتاج لمؤسسة وطنية لمواجهة هذه الإنتاجات المدمرة في أغلبها برأيي.

مستقبل الفنان السوري «دراما – مسرح»؟
إذا لم تسارع المؤسسة الرسمية ممثلة بمؤسسة الإنتاج وبالتعاون مع مختصين بوضع خطة اسعافية لإنقاذ الدراما التلفزيونية فإنني أرى مستقبلا سيئا ينتظرها وبصراحة لست متفائلا فالكل يضع الحرب حجة لتقصيره.. أما على صعيد المسرح فهو الوجع الحقيقي فممثل المسرح يعمل بالمجان ولولا شغفه بالمسرح لتوقف المسرح السوري عن إنتاج عروض جديدة، وبمقارنة بسيطة مع انتاجات المؤسسة العامة للسينما نجد أن المسرح هو المظلوم في هذه المعادلة ومن خلال جريدة الوطن أناشد وزارة الثقافة بطرح قوانين جديدة تسمح للفعاليات الاقتصادية بدعم المسرح ورعايته عن طريق الرعاية «سبونسر».

كلمة أخيرك لجمهورك من خلال صحيفة «الوطن»؟
أشكر صحيفة «الوطن» على إتاحة هذه الفرصة، وأتوجه بالتحية للشعب السوري الذي صمد خلال هذه الحرب، وتحية خاصة للجيش العربي السوري.. وتمنياتي بالشفاء لجرحاه وكل الرحمة والخلود لشهداء الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن