قضايا وآراء

صمت العرب تجاه أستراليا لن يغير إرادة شعب

| تحسين الحلبي

بعد تراكم الأنباء الصحفية المتداولة في العالم العربي حول تزايد أشكال تقارب بعض الدول العربية مع إسرائيل من نواح مختلفة لم تنف هذه الدول وجودها، أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في جلسة عقدها للسفراء الأجانب في إسرائيل قبل أيام أنه يقيم علاقات تعاون في مختلف المجالات مع عدد من الدول العربية ويستخدم أجواء بعضها لمصلحة شركة خطوط «العال» الإسرائيلية ورحلاتها وأن مستقبل هذه العلاقات أصبح واعداً.
تعمد نتنياهو أن تتزامن تصريحاته هذه مع إعلان حكومة أستراليا عن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وعن استعدادها لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس وكأنه يطمئن استراليا بعدم قدرة هذه الدول العربية على التسبب بأي أضرار سياسية أو اقتصادية لاستراليا نتيجة هذا القرار.
واختارت أستراليا إعلانها باستخدام عبارة الاعتراف «بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل» دون ذكر القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967 دون الإعلان عن رفضها للقرار الإسرائيلي الذي جعل القدس الشرقية جزءاً من السيادة الإسرائيلية وحياً من أحياء القدس الموحدة غربية وشرقية وانتقال السفارة الاسترالية إلى القدس الغربية أو الشرقية هو اعتراف بضم القدس الشرقية أيضاً طالما أن انتقال أي سفارة أجنبية في إسرائيل يجري من تل أبيب التي كانت تعد عاصمة الكيان الإسرائيلي باعتراف كل الدول الغربية إلى عاصمة جديدة فرضت وجودها إسرائيل بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 وبعد ما يسمى بقانون «القدس الواحدة» التي يجري تهويدها من كل النواحي.
السؤال الذي يتعين طرحه بعد هذا القرار هو: كم من الدول يحتمل أن تبدأ الآن باتخاذ الإجراء نفسه الذي يسلخ القدس بكل ما تعنيه من مقدسات إسلامية ومسيحية فلسطينية ومن تاريخها العربي ويحولها إلى عاصمة للكيان الإسرائيلي في ظل كل أشكال التهويد التي تتعرض لها؟
يبدو من الواضح أن الجامعة العربية بررت لنفسها ألا تفعل شيئاً بعد إصدارها بيان تنديد لا يوازي مطلقاً ما تحمله القدس وتمثله لأمة كبيرة ولدول عربية وإسلامية بلغ عددها 57 دولة بل إنها لم تعلق حتى على ما صرح به وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة حين قال بموجب ما نشرته صحيفة «هآريتس» الإسرائيلية في 16 الجاري إن «قرار حكومة أستراليا لا يخالف مبادرة السلام العربية وإن قرار الجامعة عديم المسؤولية ومجرد لغة خطابية» وبهذه الطريقة دافع عن قرار أستراليا التي قررت نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس عندما تعد مبناها وأنها ستقيم مكتباً للشؤون العسكرية والتجارية في القدس ريثما تكتمل عملية نقل السفارة.
إن قيمة التبادل التجاري بين أستراليا والدول العربية والإسلامية يبلغ أكثر من 70 مليار دولار وبلغ مع دول الخليج وحدها 15 ملياراً عام 2015 وتعد السعودية من أهم الدول التي تستورد المواشي من أستراليا وتعمل في دول الخليج 350 شركة استثمارية بموجب إحصاءات عام 2015 وقد تبلغ الآن 500 شركة وتستورد أستراليا نفطاً بقيمة 3 مليارات دولار كل سنة ولو قررت الجامعة العربية إصدار إنذار علني رسمي تهدد فيه أستراليا بعقوبات تدريجية وليس فورية شاملة إذا لم تسحب هذا القرار ففي أغلب الاحتمالات أنها سوف تتراجع وتجمد قراراً كهذا لأن شركات الاستراليين سيلحق بها أضرار ولأن أستراليا ستفقد كل امتيازاتها مع الدول الإسلامية المجاورة لها وخصوصاً إندونيسيا وماليزيا.
سياسة الصمت والتسليم بكل ما يعزز مصالح إسرائيل التي تتخذها دول النظام الرسمي العربية المهيمنة على قرارات الجامعة العربية، بدأت تتحول إلى عامل يلحق أفدح الأضرار بالفلسطينيين وحقوقهم الوطنية الشرعية وبكفاحهم وبحشد التأييد والدعم العالمي لحقوقهم المستلبة، فهذه الجامعة تعرف أن منظمة غير حكومية عالمية تسمى باختصار بالإنكليزية «BDS» أي «مقاطعة إسرائيل ومنع الاستثمارات عنها وفرض العقوبات عليها»، فرضت على الكنيست أي البرلمان الإسرائيلي والحكومة، إعلان الحرب عليها لأنها تدافع بالعمل الإعلامي والسلمي عن حقوق الفلسطينيين وأطفالهم وفرضت على إسرائيل نفقات ضخمة من أجل مواجهة هذه المنظمة وفروعها التي تفضح جرائم إسرائيل في العالم وتدعو إلى حماية القدس لأصحابها.
فهل سيحين وقت وتبدأ هذه المنظمة ومنظمات عربية إلى جانبها بالمطالبة بمقاطعة دولة عربية كالبحرين لأن وزير خارجيتها يدافع عن قرار أستراليا الذي يؤدي إلى التسليم بتهويد القدس وتحويلها إلى عاصمة لكيان مغتصب ما زال شعب فلسطين وكل شرفاء هذه الأمة يناضل من أجل مجابهته لاستعادة الحقوق الشرعية والقانونية والمقدسات التاريخية لأصحابها؟!
في النهاية، سيظل قرار الجامعة الهزيل أمام سجل صفحات نضال وتضحيات شعب فلسطين وكل الشرفاء في هذه الأمة مجرد صفحة تدين كل من لا يقف مع حقوق هذه الأمة بقدسها وتاريخها في فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن