قضايا وآراء

نتنياهو والمطبعون من الأعراب

| د. يوسف جاد الحق

على الرغم من النكسات المتلاحقة التي مني بها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الأيام، آخرها هزيمته عند حدود غزة، إلا أنه لا يخفي فرحه الشديد، وخيلاءه الأشد، بما وصلت إليه «إنجازاته» على صعيد تطبيع علاقات كيانه مع دول عربية معينة، بل التحالف مع غير واحدة منها حيال أعدائه العرب الآخرين العاقدين العزم، كانوا وما زالوا، على استرداد فلسطينهم العربية كاملة، لا يثنيهم عن ذلك ترهيب ولا ترغيب أو غدر مؤلم ومشين، يصدر عمن يحسبون على أنهم ينتمون إلى العروبة، وهم، في الحق، وبعد هذا الذي يجري ليسوا كذلك.
أفراح نتنياهو الهستيرية تبلغ أوجها في هذه الأيام، كلما ظهر على شاشات كيانه أو غيرها، يتحدث في تبجح غريب عجيب، وعلى وجهه معالم الزهو والتشفي والإعجاب المفرط بالذات، لم لا وقد حقق له أولئك الأعراب ما لم يحلم به في يوم من الأيام، هو أو من سبقوه من منشئي إسرائيل الأوائل!
اللافت للنظر أن نتنياهو يتعمد الظهور شبه اليومي، في وسائل الإعلام لكي يعلن إنجازاً جديداً على هذا الصعيد أمام إسرائيلييه مما لم يكن يخطر لهم على بال، غير أن حقيقة المسألة هي أن هذا الذي حدث، هرولة الأعراب نحو الكيان الصهيوني، لم ينجم عن قدرات سياسية خارقة، يملكها الرجل بقدر ما كان انحداراً غبياً ومهيناً من أولئك الخارجين على أمتهم، الذين حسبوا أن هذه هي نهاية المطاف، في عهدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو، ناسين أن الزمن القادم سوف يحاسبهم حساباً عسيراً على ما اقترفت أياديهم.
الشعب العربي، بما فيه أبناؤه في تلك الدول والدويلات نفسها، سوف يكون ضمن المحاسبين على جرائمهم التي لا غفران لها في الأرض ولا في السماء، فخيانة الأرض المقدسة التي باركها الله، مهد السيد المسيح وأمه مريم العذراء عليهما السلام، لن تمر هكذا وكأن شيئاً لم يكن.
تبعاً لهذا الانحراف الخطر، ونتيجة تلقائية له، أمسى نتنياهو كالحاكم المطلق هناك، يصدر في كل يوم قانوناً جديداً، فيعلن في يوم «قانون القومية اليهودية»، وفي يوم يليه «قانون إخلاء خان الأحمر من أهلها وهدم مبانيها وتشريد أهلها»، وفي يوم بعده «يعرض على «الكنيست» إياه قانوناً ينص على «إعدام» المقاوم الفلسطيني أو أي عربي تؤدي مقاومته، في أي شكل منها، إلى موت أحد من بني إسرائيل، وفي يوم آخر استصدار قانون «يلغي حق العودة» لأي فلسطيني إلى أرضه، وهلم جرا..!
يسابق نتنياهو الزمن، وكأنه يخشى أن يختطف أحد منه ما «أنجز»، بفضل من يفترض فيهم أنهم من أصحاب القضية، الأمر الذي لم يخالج الرجل حتى في أزهى أحلام يقظته أو منامه.
صحيح أنه كان لهؤلاء علاقات «طبيعية» مع الكيان الصهيوني في الخفاء، على مدى من الزمن غير معروف تماماً لكل منهم، غير أن انكشاف تلك العلاقات، والإعلان عنها في هذا الوقت بالذات، كان وراءهما المتغيرات المتلاحقة في المنطقة، وفي العالم أيضاً، ومن أبرزها وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
كان للرئيس ترامب دور في إيصال نتنياهو إلى تلك الحالة الهستيرية من الزهو والخيلاء بانصياع نفر من الأعراب لتحقيق رغباته وطموحاته، فهو من هيأ الأجواء للإعلان عن تلك العلاقة المحرمة، مضيفاً إليها الوقوع في محرم آخر هو منحه إياهم القدس «عاصمة أبدية لدولة يهودية»، فضلاً عن نقل السفارة الأميركية إليها، ضارباً عرض الحائط ردود الفعل المحتملة من الفلسطينيين، ومن معهم. وما أقدم عليه ترامب كان لعهده الذي قطعه لهم قبيل انتخابه، ثمناً لتأييدهم له في معركة الانتخابات وإيصاله إلى البيت الأبيض. أما ما يفعله اليوم من أجلهم كقطع المعونة عن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا»، وقطع حصته في تمويل هيئة الأمم المتحدة، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، فما هذه جميعاً سوى «عربون» يدفعه مقدماً لضمان تأييدهم في الانتخابات القادمة من أجل رئاسة ثانية يحلم بها، توفرها له المؤسسات الصهيونية في الولايات المتحدة وعلى رأسها لوبي «آيباك» بغض النظر عن شخصيته البعيدة عن أي مؤهل سياسي أو ثقافي أو أخلاقي تؤهله لهذا المنصب أصلاً ومنذ البداية.
الهدف الأهم لسائر المتآمرين أولئك، الآن وفي قادم الأيام، هو الوصول إلى تنفيذ ما عرف بـ«صفقة القرن»، لإنهاء القضية الفلسطينية لمصلحة «الدولة اليهودية» المرتجاة مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن هل يتحقق لهم هذا الحلم؟
بالقطع لا، وألف لا، والمستقبل القريب كفيل بجلاء هذه الحقيقة والإطاحة بأحلامهم الخلبية، فالنهاية المحتومة للكيان الطارئ على أرضنا أمست قريبة، وقريبة جداً بأكثر مما يتصورون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن