من دفتر الوطن

قوسان من نور

| حسن م. يوسف

لطالما قلت: «إن العمل الذي لا يدافع عن نفسه ليس جديراً بالدفاع عنه». وأنا في هذا المقال لا أدافع عن سيناريو «حارس القدس» الذي كتبته بتكليف من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، عن ابن حلب الشهباء، المطران المقاوم إيلاريون كبوجي، بل عن المطران كبوجي نفسه، لكونه يكرس دور رجل الدين الوطني العابر للطوائف والأديان، هذا الدور الذي أرسى بنيانه، ابن مدينة جبلة، الشيخ المقاوم عز الدين القسام. فالشيخ القسام والمطران كبوجي يمثلان الدين الشامي الوطني المقاوم بضفتيه المسيحية والإسلامية، لذا أنظر إليهما كنموذجين ثوريين استثنائيين، كانا ولا يزالان حاضرين في ساح معركة الدفاع عن الوطن السوري من خلال حضورهما كقوسين من نور في وجدان الجندي العربي السوري وهو يخوض أشرس المعارك البطولية دفاعاً عن كيان سورية كدولة.
عقب رحيل المطران كبوجي، في اليوم الأول من العام الماضي، اتصلت بي مديرة المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني الأستاذة ديانا جبور، وطلبت مني كتابة مسلسل عن هذه القامة الوطنية، فوضعت شرطين لقبول التكليف، أن يقوم المخرج باسل الخطيب بإخراج العمل، وأن تقوم جبور والخطيب بقراءة العمل. تمت الموافقة على الشرطين، فقمت بكتابة معالجة درامية موسعة، وللتأكيد على الجانب الوثائقي، بنيت العمل على حوار تجريه روائية تدعى آنيتا، مع المطران، وأنا لم أختلق هذه الشخصية، بل دمجت فيها ثلاث نساء حاورن المطران هن: الأديبة كوليت خوري، والصحفية جودي يعقوب، والروائية ابتسام العيسى زوجة سفيرنا في روما خلال السنوات الأخيرة من حياة المطران. وقد وافقت لجنة الدراما والمخرج الخطيب على المعالجة وتم توقيع العقد.
بعد قرار ترامب الإجرامي بشأن القدس طلبت من المدير الجديد الدكتور ماهر الخولي تمديد مهلة التسليم فترة شهر، كي أتمكن من إنجاز الكتابة الجديدة للعمل في ضوء المستجدات. وقبل أن أنتهي من كتابة العمل عين مدير جديد.
لم تتقيد مؤسسة الإنتاج بالشروط التي وافقت عليها، فكلفت قارئين جديدين، القارئ الأول أجاز النص من دون ملاحظات وأعطاه علامة عالية، أما الثاني وهو الأب الياس زحلاوي، فقد تحفظ على عدة نقاط فيه، أهمها وجود آنيتا في المسلسل خشية أن «توحي للمتفرج بأن هناك علاقة غير شرعية بين المطران وهذه الشخصية». والحقيقة أنني كنت قد عرفت من الإعلامية أوغاريت دندش أنه ثمة امرأة تدعى منتهى، كانت تعيش مع المطران في شقته منذ زمن طويل، وقد أخذت رقم منتهى، إلا أنني لم أتصل بها ولم أذكرها إلا في الحلقة الأخيرة، كي لا يخطر على بال أحد ما خطر على بال الأب الياس.
الأستاذ الخطيب وقف خلف الأب الياس فتحفظ على شخصية آنيتا لأنها «… تمتد على كامل الحلقات وتضفي على المسلسل صبغة وثائقية تقريرية وإخبارية أكثر منها درامية تلفزيونية». وقد ظل على موقفه رغم تأكيدي له بأن اللمسة الوثائقية هي خيار فني مقصود، الغرض منه التأكيد على مصداقية كل المعلومات والأفكار المتعلقة بالمطران كبوجي، وقد تم الاتفاق مسبقاً على ألا يكون المسلسل دراما تقليدية، بل (دوكيو دراما) Docudrama.
طلبت المؤسسة حذف آنيتا وإجراء التعديلات التي يطلبها المخرج، رغم أن ذلك يتناقض مع المعالجة المتفق عليها، وينسف النص ومعه جهد عام كامل. وبما أنه من غير المعقول أن نطالب المهندس بتوسيع الصالون أو تغيير مكان المطبخ بعد الانتهاء من تشييد البناء، فقد وجدت أنه من المستحيل لي أن أعيد تفكيك العمل. وكحلٍّ وافقت على أن يقوم كاتبٌ شاب بالتعديلات الطفيفة تحت إشراف المخرج الخطيب، إلا أن الخطيب أنجز العملية بنفسه. والآن يمر العمل بحالة استعصاء قد تسبب له جلطة قاتلة! فمدير المؤسسة الحالي لا يريد وضع كامل ميزانية مؤسسته في إنتاج عمل واحد، وهذا أمر مفهوم. لذا ما من حل سوى أن تأخذ الدولة باقتراح المخرج الدرامي محمد وقاف، وتخصص ميزانية استثنائية لإنتاج هذا العمل، أو أن تتيح المؤسسة الفرصة لمنتجين آخرين كي يشاركوا معها في إنتاج هذا العمل الوطني الضخم الذي لا يجوز مسخه بأي حال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن