قضايا وآراء

ترامب وبوكانان وقرار الانسحاب

| تحسين الحلبي

من الطبيعي ألا يصدق الكثيرون ما عرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أسباب لقرار سحب قواته من شمال سورية حين قال: «لقد هزمنا داعش الذي كان السبب الوحيد لوجودنا شمال سورية»، ولو أراد أن يعلن استمرار بقائه لكرر ما قاله معظم رجال إدارته بأن داعش لم تتم هزيمته حتى لو لم يعد له أي وجود، لكنه اتخذ هذا القرار لأسباب أخرى يرى باتريك بوكانان المستشار السياسي السابق لثلاثة رؤساء أميركيين ريتشارد نيكسون وجيرار فورد ورونالد ريغان أنها تعود «لرغبة ترامب بتخليص الولايات المتحدة من حرب قد تطول إلى الأبد في الشرق الأوسط بدأها رؤساء أميركيون أغبياء وهو يدري أن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها مجابهة إيران وسورية وكوريا الديمقراطية وحرب باردة مع روسيا والصين في هذه الظروف».
وبالإضافة إلى ما يؤكده بوكانان مؤلف كتاب بعنوان «انتحار قوة عظمى» الصادر عام 2011 يثبت سجل السياسة الخارجية والعسكرية الأميركية أن داعش لم يضع الولايات المتحدة على جدول عمله الإرهابي بل وضع سورية وإيران تحديدا إلى جانب العراق على جدول عمله وخططه، وداعش بصفته منظمة تكفيرية يدرك أن الدول العربية المتحالفة مع واشنطن ليست أهدافا له خصوصاً دول النفط العربية التي وظفت واشنطن دورها لتقديم الدعم لمجموعات داعش وكل مجموعة تتبنى فكرها التكفيري وهذا ما أعلنه عام 2015 نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدين في وسائل الإعلام الأميركية وهذا في الحقيقة ما يؤكده بوكانان بطريقة أخرى حين يذكر في تحليل نشره في مجلة «أنتي وور» في 21 كانون الأول الجاري أن ترامب قال في صفحة تويت الخاصة به إن «داعش ومجموعات أخرى مثلها ستظل تقاتل سورية وإيران وروسيا دون وجود القوات الأميركية» وكأنه يكشف هنا أن واشنطن حين تسحب قواتها فإنها ستعتمد على استمرار وجود إرهاب داعش لكي تنشغل هذه الدول به طالما أن حلفاء واشنطن العرب سيواصلون دعم كل جهة تقاتل ضد سورية وإيران وروسيا في المنطقة بكل الطرق الممكنة.
لكن بوكانان يرى أن هذه الدول الثلاث سورية وإيران وروسيا هي الرابحة من انسحاب القوات الأميركية وأن الخاسر الأكبر هو قادة الأكراد السوريين الذين تحالفوا مع واشنطن واعتمدوا على بقاء الوجود العسكري الأميركي الداعم لهم، أما أردوغان فسوف يجد نفسه أمام ثلاثة أطراف هي سورية وإيران وروسيا دون وجود واشنطن حليفه التقليدي، ولا بد أنه فوجئ بقرار ترامب على غرار قادة الأكراد السوريين، لأنه كان يعتقد أن وجود واشنطن العسكري في الشمال يشكل قوة احتياطية لخططه العدائية تجاه سورية وأمام إيران التي يعاقبها ترامب ويهددها وأمام روسيا التي يستمر ترامب في سياسة فرض العقوبات عليها برغم ما يشكله ذلك من خسارة لبعض قادة الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة. وفي معظم الأحوال اعتادت الإدارات الأميركية على إعداد قواعد لعبة تحدد فيها من الألف إلى الياء أولوية مصالحها بموجب ما تراه وليس بموجب ما يتطلع إليه حلفاؤها وخصوصاً من تعدهم أدوات في خططها لتحقيق هذه المصالح وليس حلفاء كما يعرف الجميع أن الإدارات الأميركية اعتادت على استغلال كل من يشكل عدوا لأعدائها وتقوم بتحويل إرهابه إلى أعدائها والمناهضين لها وهذا ما فعلته في السنوات الماضية حين جعلت المجموعات الإرهابية تحصر نشاطها في العمل ضد الجيش السوري وليس التركي الذي حوله أردوغان إلى داعم لنفس المجموعات الإرهابية ضد الجيش السوري.
والولايات المتحدة لا يهمها بصفتها قوة كبرى سوى تحقيق مصلحة إستراتيجيتها الكبرى كما تراها هي، فيصبح كل تفصيل صغير في هذه الإستراتيجية مثل دعم بعض قادة أكراد سورية، قابلا للتغيير والشطب بعد انتصارات الجيش السوري وحلفائه وتزايد قدراته على إحباط المخطط الأميركي والتركي في شمال سورية.
ولو لم يحقق الجيش السوري وحلفاؤه هذه الانجازات على الأرض في الشمال وخصوصاً في منطقة دير الزور وشمال حماة لبقيت مراهنة ترامب قائمة على دور بعض قادة الأكراد في خطته في تلك المنطقة، ثم ألم يشاهد قادة هذه المجموعات المتحالفة مع واشنطن تجربة الإدارات الأميركية في استغلال عدد من قادة أكراد العراق خلال أكثر من خمسين سنة لأغراضها ومصالحها وكيف تخلت عنهم حين لم تعد تجد فيهم مصلحة في إستراتيجيتها الكبرى فتركتهم لمصيرهم مثلما تركت قادة فيتنام الجنوبية في سايغون لمصيرهم بعد هزيمتها في فيتنام عام 1975 وهو العام نفسه الذي تخلت فيه عن قادة الأكراد العراقيين في أعقاب اتفاقية الجزائر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن