قضايا وآراء

حلب.. التحرير والانتصار

| عمار عبد الغني

شكّل يوم الثاني والعشرين من كانون الأول 2016 نقطة تحول كبرى في مسار الحرب الإرهابية على سورية. يومها تم إعلان حلب خالية من الإرهاب على يد أبطال جيشنا الذين رسموا من خلال إنجازهم الإستراتيجي مرحلة ما قبل النهاية للأحلام المريضة والشيطانية للدول الغربية التي كانت تركز على حلب بشكل خاص لاستخدامها قاعدة للتوسع إلى باقي المناطق في محاولة لإخضاع سورية والمنطقة برمتها للمؤامرات الغربية والمطامع التركية.
ونظراً لأهمية حلب في نجاح أو إخفاق مجمل المشروع التدميري الخبيث، فقد وضع الغرب كل ثقله في تلك المعركة، حيث فتحت الحدود التركية أمام شذاذ الآفاق من بقاع الأرض وتم تزويدهم بأسلحة متطورة وقدّم لهم مختلف أشكال الدعم اللوجستي والاستخباراتي من غرف العمليات في تركيا والأردن وتكفلت أنظمة الخليج بدفع مليارات الدولارات لتمويل المخطط «الصهيووهابي». بينما حاولت واشنطن من خلال أذرعها «الأخطبوطية» الطويلة في المنظمات الدولية والحقوقية منع الجيش العربي السوري استكمال المعركة عبر تصوير المشهد وكأنه معركة «إبادة للمدنيين» والذي تبين لاحقاً أنها كانت محاولة لحماية الإرهابيين الذين نكلوا بالأهالي واتخذوهم دروعاً بشرية لوقف العملية العسكرية.
حتى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي كان من المفترض أن يكون وسيطاً نزيهاً للمنظمة الدولية التي أرسلته، اتضح أنه أداة في يد أميركا لتمرير «مشروع التقسيم» عندما طرح مبادرة «الحكم الذاتي» في أحياء حلب الشرقية لتكون نموذجاً يطبق في سائر المناطق السورية التي تسلل إليها الإرهاب.
سورية ومعها الحلفاء أدركت خطورة ما تم طرحه مبكراً ورفضت مبادرة دي ميستورا جملة وتفصيلاً التي اعتبرها في حينها وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم «مكافأة» للإرهابيين، على حين اتخذت روسيا على عاتقها إجهاض جميع محاولات أميركا وفرنسا وبريطانيا في التدخل من خلال استخدامها لحق النقض «الفيتو» عدة مرات لمنع مشروعات قرارات كانت تقضي بالمجمل لشرعنة التدخل العسكري الخارجي، ومن ثم استطاع الجيش العربي السوري وبالتعاون مع الحلفاء، وبسرعة قياسية، تحرير حلب وليكون بمنزلة حجر الزاوية في الانتصارات المتتالية على الإرهاب وداعميه، وتحولاً إستراتيجياً ومنعطفاً مهماً في مسار الحرب، وضربة قاصمة للمشروع الإرهابي وداعميه.
لا شك أن انتصار حلب أسس لإنجازات متلاحقة حققها أبطال جيشنا على امتداد الجغرافيا السورية على التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها بدءاً من دير الزور مروراً بغوطة دمشق وصولاً إلى المنطقة الجنوبية، ومن ثم أدى هذا الإنجاز الإستراتيجي إلى قلب كل الموازين وقطع الطريق على كل المشروعات التي حيكت لتقسيم سورية بأدوات إرهابية مدعومة من دول «البترودولار».
يمكن القول: إن معركة حلب كانت أم المعارك نظراً لأهمية النتائج التي تمخضت عنها على الصعد كافة سياسياً وعسكرياً، فهي أولاً فرضت أجندة الدولة السورية لحل الأزمة وفق ما تقتضيه مصالح شعبها، وثانياً شكلت أنموذجاً لإخراج التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة من مناطق أخرى تسلل إليها الإرهاب، كما أنها أعادت آلاف الأسر إلى منازلها بعد أن عاشت عذابات سنوات من التهجير والاتجار في معاناتها في المحافل الدولية، وفي الاقتصاد وكون حلب عاصمة سورية الاقتصادية عادت المدينة إلى نسج حكاية إعادة الإعمار والبناء والعودة إلى نبض حياتها السابق في الثقافة والصناعة والفن ولتبدأ أصوات هدير الآلات في المعامل والمصانع التي تتوزع على مختلف أرجاء المحافظة من جديد للعمل إيذاناً ببدء حركة الإنتاج بعد توقف قسري بسبب الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية التي استهدفت المنشآت الحيوية والعمال في مصانعهم. وإستراتيجياً أرسى تحرير حلب الخطوط العريضة للنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الذي سيعيد التوازن للقرار الدولي ويؤسس لعالم خالٍ من الهيمنة الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن