في آخر أيام العام 2012 تحقق حلم جماعي أشبه بحلم عيد ميلاد تتداوله قصص الأطفال، أو خيالات ديزني. استفاق سكان قرية سوديتو بالقرب من العاصمة الإسبانية مدريد، على صوت الرابح الأول، في صباح الثاني والعشرين من شهر كانون الأول. وعرف كل من في الجوار أن رابحا واحدا يعني توزع جائزة اليانصيب الكبرى بين أغلبية سكان القرية، التي بالفعل تقاسم 250 من قاطنيها عدة ملايين من اليوروهات، بنسب متفاوتة بينهم.
الجائزة هي الجائزة الأشهر في إسبانيا، وهي الأضخم في العالم، كما أنها من الأقدم في التاريخ إذ تعود للعام 1812.
لكن ما يميز هذا السحب بشكل أساسي هو فكرته التقاسمية والتشاركية، الذي تجعل من سحب اليانصيب السنوي الأهم فرصة لتبادل الآمال المجتمعة في فرصة واحدة يتقاسمها الجميع، وبنسب متساوية أو متفاوتة وفقا لإنفاق كل شخص منهم. ورغم أن الجائزة كانت في ذلك العام بليوني يورو ارتفعت لثلاثة بلايين وثلاثمئة مليون في العام الماضي. ورغم أن الرقم يبدو مهولاً، فإنه من المهم الإشارة إلى أن هذا المبلغ يتوزع على أعداد كبيرة من المشترين، الذين يشترون الرقم الرابح. وتقوم فكرة الغوردو على توزع الأرقام على دفاتر من عشرة بطاقات، يبلغ سعر البطاقة عشرين يورو تمنحك فرصة واحد بالمئة ألف للربح، وذلك على حين يمنحك اليورو مليون فرصة واحدة بين ثلاثمئة مليون فرصة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتيح الدفتر ببطاقاته تقاسم الرقم بين أعداد كبيرة من الناس، ما يجعل الفرصة تتوزع على أعداد كبيرة من المشترين، وهو ما حفز الشركات والنوادي والبارات على مشاركة موظفيها وكوادرها إضافة لانتشار العادة بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة.
وفي العام 2016 ربحت مدينة ما يعادل مليار يورو توزعت على مشترين كثر، إذ تصادف أن كل الدفاتر التي تحمل الرقم نفسه مبيعة في النطاق الجغرافي نفسه، وعددها كان يزيد على ألف وستمائة بطاقة بالرقم نفسه، علما أن العادة هي توزيع الأرقام على نطاق البلاد، لتوسيع هامش الربح.
والغرض من كل هذا السرد، هو الإشارة للبعد الاجتماعي والاقتصادي في هذه العملية، التي رغم أنها تعتمد على الحظ، والدوران العشوائي لعدة كرات مرقمة، فإن أثرها الاجتماعي مهم، وهو ما يجعل أفلامها الدعائية تركز دوما على الربح الجماعي، بعكس جوائز اليورو مليون الأوروبية والسوبر بول الأميركية، التي تركز على رابح واحد، أو أكثر من رابح اختار الرقم ذاته، لكن كما ذكرنا مع تقليص احتمال الفوز إلى درجة تقربه من المستحيل، أو كما يقول خبراء الرياضيات، من احتمال موت أحدنا بصاعقة وسط مدينة حديثة.
إذاً الفكرة ليست مستحيلة، وتطبيقها سهل، ويفرح قلوب الكثيرين، بمن فيهم قلب الحكومة، وأزيد أن الجوائز يعلنها أطفال من معاهد الأيتام لإضافة مزيد من الملامح الإنسانية عليها.
وبالعودة للقرية، المحظوظة، فإن شخصاً واحداً اختار ألا يشتري بطاقة اليانصيب، فتجنبه الحظ، وهو صانع أفلام يوناني مقيم فيها. ولكنه لحظة الاحتفال جاء بكاميرته وسجل لحظات فرح سكانها، وصنع بعد سنوات فيلماً عن الجائزة وما فعلته بأهل القرية، ورغم أنه بإنجازه هذا يعد رابحاً أيضا، فإن سكان القرية لم يقبلوا بفرحة ناقصة، فأهدته إحدى الرابحات سيارتها القديمة.