ثقافة وفن

أمنيات بولادة جديدة لسورية بحلول ميلاد المسيح … زينة وأشجار وأجراس تضيء مع النجوم أماكن العالم برمزية ثابتة رغم اختلاف الروايات

| سوسن صيداوي

ميلادك ميلاد الخير، به العطاء، معه الفرح، منه الغبطة والسرور، هكذا كان ميلاد الطفل يسوع المسيح وسيبقى، بحلوله هذا العام نتمنى أن تلملم سوريتنا جراحها وتندمل كلّها وتأخذ معها كل المآسي والأحزان، لتعمّ الفرحة وحب الحياة من جديد. نعم علينا أن نتمسك بحب الحياة وبأمل النور الذي يشعّ بالصباحات كل يوم، ومن الميلاد دعوة لكم بأن تكون البداية جديدة، ومن ميلاد الطفل يسوع بمغارته سنحكي لكم عن قصة الشجرة المضيئة ورموز كل ألعابها التي تحملها.

في البداية
تعتبر شجرة عيد الميلاد من أهم العادات الاحتفالية المرافقة لقدوم عيد ميلاد السيد المسيح، ولاستقبال العام الجديد عند المسيحيين، ودرجت العادة أن تزيّن بها المنازل والمحال التجارية والمولات والفنادق، لتعبّر عن رمز الحياة والنور، ويتم تزيين الشجرة وإضاءتها قبل العيد بعدة أيام وتبقى حتى عيد الغطاس، لكونها تضفي جواً له خصوصيته بالبهجة والسرور للكبار قبل الصغار على حد سواء، بأحجامها وأطوالها، فمنها الصغيرة ومنها الكبيرة، كما تختلف ألوانها وتتعدد، ومنها الطبيعي ومنها الاصطناعي البلاستيكي. وعن تاريخ شجرة الميلاد ورمزيتها مع الألعاب التي تحملها إليكم المزيد.

لشجرة الميلاد رواية
من يتعمّق ويواكب الأحداث التاريخية أو من يبحث بدافع إيمانه أو حبه للمعرفة فسيجد أنه بالكتاب المقدس «العهد الجديد» لا يوجد أي رابط أو ذكر لشجرة الميلاد، لكن انتشرت العادة وامتدّت من الدول الأوروبية إلى العالم على الشكل التالي كما تقول الروايات: بدأت في ألمانيا في فترة القرون الوسطى، ومعروف بأن ألمانيا بطبيعتها في تلك الفترة كانت غنيّة بالغابات الصنوبريّة الدائمة الخضرة، وأيضاً كانت هناك عادة وثنية منتشرة عند بعض القبائل التي تعبد الإله (ثور) وهو إله الغابات والرعد، وتقضي العادة أن تقوم تلك القبائل بتزيين الأشجار للإله، وتوضع على أحدها ضحيّة بشريّة. حتى يقال أيضاً إنه في عام سبعمئة واثنين وعشرين، قام القديس بونيفاسيوس بالتوجه إليهم ليبشرهم، وفي تلك الأثناء شاهدهم وهم يقيمون احتفالاتهم تحت شجرة بلوط، وقد قاموا بربط طفل وهمّوا بذبحه كأضحية لآلهتهم، فقام بمهاجمتهم وبتخليص الطفل من بين أيديهم، ووقف بين أيديهم يخطب فيهم مبيناً لهم أصول الديانة المسيحية التي تقوم على الرحمة والمحبة والسلام، وبأن يسوع المسيح قد جاء ليخلّص البشر من عذابهم لا أن يهلكهم باسمه.
في رواية أخرى تحكي بأن مهد شجرة الميلاد بدأ من أوروبا، بالتحديد من المملكة البريطانية في القرون الميلادية الأولى، على حين في رواية ثالثة تقول بأن تزيين الشجرة والابتهاج بها عادة ترجع للحضارة المصرية القديمة التي بمعتقداتها الشجرة هي رمز للبعث والخلود والميلاد في هذه الحياة والحياة الأخرى. وبالعودة أيضاً للتاريخ السحيق هناك روايات تحكي بأن الرومان استخدموا شجرة «شرابة الراعي» كزينة في عيد ميلاد الشمس، وبأنه منذ ذلك الوقت ومع توحيد العيدين بتاريخ واحد، أصبحت هذه الشجرة رمزاً للميلاد، فالأوراق الشوكية هي إكليل المسيح، والثمار الحمراء هي رمز لدمائه المُراقة، والحطب هو رمز لإيقاد النار؛ حيث في الاحتفال بميلاد الشمس كانت توقد النار.
ومن الروايات أيضاً يخبرنا المؤرّخون بأن شجرة الميلاد هي عادة وثنية وهناك رواية أخرى تقول بأن الراهب الألماني مارتن لوثر كينغ هو أول من وضع شجرة الميلاد؛ حيث تقول الرواية «في ليلة صافية رأى النجوم تزيّن السماء، فاشترى شجرة وأحضرها للمنزل وقام بتزيينها بشموع مضيئة».

أول شجرة ميلاد
الوثائق والصحف التاريخية الباقية تخبرنا بالحقائق، ومنها عرفنا بأن أول شجرة ميلاد تم ذكرها في التاريخ بشكل موثق ومكتوب، هي الشجرة الموجودة في مدينة «ستراسبورغ» الفرنسية عام 1605، وكذلك أضخم شجرة ميلاد تخبرنا الوثائق بأنها تعود إلى عام 1840 في عهد الملكة فكتوريا بإنكلترا، على حين عرفت أميركا شجرة الميلاد المزينة عام 1776، ومن بعد هذه التواريخ انتشرت شجرة الميلاد كزينة أساسية لعيد الميلاد في كل أصقاع المعمورة.

زينة وعيد
كان المسيحيون قديماً يستخدمون الأشجار الحقيقية التي تُقتطع من الأحراش والبساتين وكانت ثقيلة الوزن ويصعب تثبيتها، أما في وقتنا الحالي فحلت مكانها الأشجار المصنوعة من البلاستيك الخفيفة الوزن والحمل، وسهلة الفك والتركيب، فنرى المحال التجارية تتسابق وتتفنّن في عرض أنواع الزينة. أما ألوان الشجر والأكثر شيوعاً في الاقتناء -بالنسبة للأشجار البلاستيكية- فهو الأخضر، وهو اللون الطبيعي للأشجار، على حين اللون الأبيض يرمز إلى الثلج، وبالطبع تختلف طرق تزيين الأشجار وتخضع لصيحات الموضة السنوية في ألوان زينتها.
أما إذا بحثنا عن ظاهرة انتشار زينة الميلاد بمولد السيد المسيح، فقد نشأت هذه العادة في القرن الخامس عشر ميلادي في مدينة لندن وبقيت حتى يومنا هذا، حيث يقوم المسيحيون فيها بتزيين الشوارع الرئيسية والساحات والأماكن العامّة والكنائس والمنازل ويطغى على الزينة اللون الأحمر الذي يرمز ليسوع نفسه، واللون الأخضر الذي يرمز للحياة الأبدية، لذلك فهم حريصون على اختيار أشجار شديدة الخضرة، ويدخل اللونان الذهبي والفضي في الزينة أيضاً.
رمز ومعنى

درجت العادة أن تكون شجرة عيد الميلاد شجرة دائمة الخضرة، وترمز إلى شجر الحياة التي ذُكرت في سِفر التكوين فلهذا هي الحياة والنور، وبالتالي تأتي الإنارة والإضاءة من هذا المنطلق الروحاني. أما الزينة فهي تنوعت واختلفت باختلاف الأماكن والأفكار، فمثلاً كانت البداية بتزيين الشجرة بالتفاح الأحمر والورود وأشرطة القماش والأجراس والملائكة، ثم تغيّرت اليوم ملامح شجرة الميلاد، فاستبدلت الأشجار الطبيعية بالأشجار الصناعية -كما ذكرنا أعلاه- وبأحجام وأنواع مختلفة، وتنوعت الزينة بألوانها، وأخذت تتزاحم المعامل على إنتاج كل ما يجذب النظر ويأسر القلب بالجمال والسرور، وانتشرت الكرات والطيور والسفن… إلخ بألوان متنوعة بين الأحمر والأزرق والأخضر… إلخ.
تأتي الرمزية لألعاب الزينة التي يتم تعليقها على الشجرة البداية بالتفاح الذي تسبب بخروج آدم وحواء من الجنة، على حين الأجراس هي رمز للرعاة وتكريم لهم، لأنهم بحثوا عن السيد المسيح ووجدوه في المذود، وأما العصا المعكوفة فهي عصا الراعي التي يستخدمها لجلب الخروف الضّال، على حين كانت وما زالت النجمة التي توضع بقمة الشجرة هي رمز لنجمة مدينة بيت لحم الفلسطينية والنجمة نفسها هي هدت المجوس الثلاثة إلى المغارة التي ولد فيها الطفل يسوع. ونذهب إلى الملاك فهو يرمز إلى الملاك جبريل الذي قام بتبشير العذراء مريم بحبلها بابن الإنسان. كما درجت العادة أن تعلق الجوارب على الحائط بجانب الشجرة أو عليها، كي توضع الهدايا والنقود للأطفال عشية ليلة الميلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن