الأولى

الشرق يبدأ من دمشق

| نبيه البرجي

ليقل لنا لماذا آثر الخروج من شرق الفرات تحت جنح الظلام، وقد تسلل إلى المنطقة تحت جنح الظلام؟!
ندرك تماماً لماذا حط رحاله هناك، وأي سيناريوهات كانت تلعب برأسه، وفي رؤوس الدمى التي يتولى إدارتها. المحلل السياسي فيليب غوردون سأله «هل أنت هناك لتدير مزرعة الأفاعي؟».
لاحظ كيف كانت طائرات الأباتشي تراقص بنادق البرابرة في الجوار، وهي تلقي على المعسكر بالزاد والعتاد.
دونالد ترامب آثر الخروج لأن كل السبل أقفلت أمام كل السيناريوهات التي وضعت لتغيير المسار الإستراتيجي، وحتى لتغيير المسار التاريخي، في الشرق الأوسط، انطلاقاً من سورية.
لعل أحدهم قال له: «الشرق يبدأ من دمشق». أجل، الشرق يبدأ من دمشق.
لا تعنينا تغريداته الغرائبية، ولا صفقاته الغرائبية التي نعرف كل تفاصيلها. لم يتمكن أن يكون المايسترو، وقد هالته أوركسترا الصراخ، ولم يتمكن حتى أن يكون المهرج لأنه كان هناك من يحذره من الغرق أكثر فأكثر في النيران المتحركة، أيضاً من عودة الجنود بالتوابيت.
من الطبيعي أن يستشعر دنيس روس الصدمة. رأى «إن الخروج من شرق الفرات لكأنه الخروج من الشرق الأوسط».
ما يحدث ليس خروجاً من منطقة محددة. كان الاعتراف، وأمام العالم، بأن الحرب الكونية ضد سورية (حرب المغول الجدد وحرب المغول القدامى) قد توارت. كل الذين لعبوا لحسابه، وهم من الضحالة بحيث ظنوا أنه يلعب لحسابهم، يدون الآن في التيه. ألم يقل لهم أمير أحد البلدان الخليجية «دمار سورية دمارنا»؟ الآن يقول لهم «لا داعي لكي أدلكم على طريق دمشق. أنتم أدرى مني بها».
دونالد ترامب قال لرجب طيب أردوغان «سورية كلها لك». ذاك المخبول سبق وقال لمحمد بن سلمان «قطر كلها لك». كلامه أثار هياجاً حتى بين الباحثين في هارفارد «ألا يكفي كل ما فعله لنقول له… أخرج من البيت الأبيض؟».
على الأرض السورية، ثمة شعب سوري هو الذي يقرر. ثمة قيادة سورية هي التي تقرر. سواء كان ذلك لتفكيك البقية الباقية من الأزمة أم لمقاربة ملف الإعمار. كلنا على ثقة، وهذا ما نقله إلينا أكثر من مسؤول خليجي، بأن دولاً في مجلس التعاون جاهزة «كلياً» للتواصل مع دمشق لعرض المشاركة في عملية إعادة الإعمار تحت الراية السورية وبإدارة الدولة السورية.
حكام عرب تواطؤوا ضد سورية، ولعبوا ضد سورية، أدركوا أن صفقة القرن، كانت ستمر فوق جثثهم. إزالة دول، تفتيت خرائط، تبديل وجوه. غريب أن تكون البلاهة لا متناهية إلى هذا الحد. غريب أن تكون الأمية (السياسية والإستراتيجية) لامتناهية إلى هذا الحد.
هذه ليست بالنظرة الضبابية أو بالنظرة الفضفاضة. ما دام الشرق يبدأ من دمشق. الخلاص يبدأ من دمشق. تغييرات بنيوية في المسارات الجيوسياسية، وفي المسارات الجيوستراتيجية. الأزمة السورية أماطت اللثام عن الخلل (والاختلال) في التعاطي مع السياق المنطقي للأشياء. هكذا تحولت العروش إلى ما يشبه الكراسي الكهربائية.
أحدهم صرخ: يا عباءات الهباء! فاته القول: يا عباءات الغباء!
دونالد ترامب يخرج مرغماً من شرق الفرات. لا مجال للبهلوانيات الديبلوماسية، ولا للبهلوانيات العسكرية. بعد الآن كل سورية لكل السوريين. على لاعبي الظل، وعلى لاعبي الزوايا، وعلى لاعبي الزمن الضائع (وليس هناك الآن من زمان ضائع ومن مكان ضائع)، أن يترجلوا عن أحصنتهم الخشبية، وهم الأحصنة الخشبية، لأن اللعبة انتهت.
اللعبة انتهت.. إنها المعجزة السورية!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن