قضايا وآراء

حقيقتا العودة إلى دمشق

| مصطفى محمود النعسان

إعادة فتح الإمارات العربية المتحدة لسفارتها بدمشق وما تناقلته وسائل الإعلام عن نية العديد من الدول العربية والأجنبية إعادة فتح سفاراتها مطلع هذا العام يؤكد حقيقتين اثنتين تأكيداً مطلقاً ويقيناً لا يشوبه شك ولا يعتريه ظن ولا تخمين، وهاتان الحقيقتان نوردهما عن طريق السرد وليس من خلال التبويب والأولوية.
الحقيقة الأولى أن الرجوع عن الخطأ فضيلة وهذا ما قام ويقوم به بعض العرب والأجانب ولكن للأسف الشديد بعدما ساهموا إسهاماً كبيراً وفعالاً في إراقة دماء السوريين وتخريب بلدهم والتسبب في خلق أعداد كبيرة من العجز والمعاقين.
والحق أن هذا ما كان ليكون لولا جهلهم المطلق بسورية قيادة وشعباً، وإلا لما تورط من تورط في الأزمة وتسبب في كل هذه الدماء الطاهرة التي أريقت لكي تبقى سورية كما كانت على الدوام القلعة الصامدة التي تتحطم على أسوارها كل مخططات الأعداء ويتلاشى على ثغورها جل حقدهم وبغضهم ومخططاتهم الدنيئة والوضيعة.
أن تستمر الأزمة ثماني سنوات ليعود التائهون إلى عقلهم هذا يدل دلالة مطلقة على ضياع الرشد وفقدان الحكمة، فالشقيق لا يدبر لشقيقه الحيل ولا يتربص به الدوائر والمكائد ولا يتمنى له إلا الخير والسؤدد والعافية، فهل ما فعلوه طوال هذه السنوات الثماني تسبب في شيء غير الخراب والمآسي والحرب التي لا تبقي ولا تذر؟
نعم ما هكذا تورد الإبل يا «أشقاء»! فما فعلتموه ترك جروحاً غائرة في نفوس السوريين جميعاً مما سبب نزيفاً كفيلاً بأن تحن له القلوب وتطرى وتلين له النفوس، ولكن كل هذا للأسف الشديد لم يحصل، وما حصل أن الحقائق التي أفرزها الوضع الميداني والانتصارات التي سطرها الجيش العربي السوري وما ألحقه بمرتزقتكم وأزلامكم من هزائم منكرة جعلكم تتقاطرون إلى دمشق، فلا تنكروا هذه الحقيقة فإنكارها كمن يسعى إلى حجب الشمس بغربال وهذا من رابع المستحيلات.
هذه هي الحقيقة الأولى، أما الحقيقة الثانية فهي أن الكبير يبقى كبيراً ولو غدر به الزمن وتكالبت عليه الأمم، فدمشق أثبتت أنها كانت على الدوام قلب العروبة النابض، كانت وستبقى وستظل لأن اللـه هيأ لها قيادة حكيمة رشيدة تتمتع زيادة على رصانة التفكير وصوابية الرؤيا، بالصدر الرحب المتسامح والفكر الأريحي الكريم الأصيل الوقاد وحسبنا هنا أن نقتبس فقرة واحدة مما قاله الرئيس بشار الأسد في حواره مع صحيفة «عمان» في العاشر من كانون الأول الماضي حيث قال: إننا ننظر إلى المستقبل ولا ننظر إلى الخلف بكل ما حمله من مآس وقطيعة مع ذوي القربى وهذا هدف اتخذناه لأننا نحتاج إلى إعادة سورية إلى دورها في المنطقة.
نعم هكذا يكون تفكير الرجال العظام وبهذه الروح الرحبة تلاقي سورية من آذاها شر الأذى ودبر لها جل المكائد والحيل وأراد بها الشر وهي من فرط إشفاقها وبها ألم، بالورد ترشق من بالنار رشقها.
إن الحقيقة التي لا جدال فيها أن المرء بأصغريه قلبه ولسانه إذا تكلم تكلم بفصاحة لسان وإذا جال جال بقوة جنان.
والحق أيضاً أن من يخزن التاريخ في صدره يضيف أعماراً إلى عمره وهذا حال الرئيس الأسد وإلا لما لاقى الحقد بالتسامح وقابل الكيد بالمحبة والشر والرذيلة بالخير والفضيلة كما قابل الخطيئة رغم عظمتها وجبروتها بالعفو والمغفرة.
أليس كل هذا التسامح مدعاة للتوبة يا أشقاء؟ وكذلك أنتم يا غرباء؟ وأيضاً يا من حسبناكم من قبل وحسبتم أنفسكم أصدقاء لسورية ولها أوفياء؟ بكل تأكيد سوف تعودون ومتى عدتم أهلاً ومرحباً بكم ولكن ما يغفر الذنب هو التوبة فسارعوا إليها ولا تترددوا أبداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن