ثقافة وفن

شهادة على الحائط وحلم بوظيفة

| هناء أبو أسعد

شباب يقفون على عتبات أمنياتهم وأحلامهم، بعد ثماني سنوات من الحرب الطاحنة التي تركت جراحاً واضحة في حياتنا وحياتهم… لعل الجميع تأثر بتداعيات هذه السنوات، إلى حد كبير والمسألة هنا نسبية، إلا أن الشباب كان الفئة الأكثر تأثراً… شباب لا أحد يستطيع أن يتجاهل دوره في تلك الحرب الدامية، كان مفعماً بالحيوية والنشاط، مبادراً إلى التطوع والمساعدة في الكثير من المجالات الاجتماعية والإنسانية، إضافة إلى وجوده على خط النار الأول في مواجهة العصابات التكفيرية…

شباب لم يرف لهم جفن سواء في المعركة أم في العمل أو في مجال الدراسة والتحصيل العلمي، وهذا هو موضوع حديثنا هنا، هؤلاء الذين أفنوا سنوات للحصول على شهادات على أمل الحصول على وظائف، هذا كان حلمهم، ليتفاجؤوا بعد التخرج بأن أحلامهم وطموحاتهم بدأت بالتلاشي أمام واقع صعب بسبب قلة فرص العمل، ما اضطرهم للعمل في مجالات لا تتطلب دراسة أو شهادات «سائقين – في المقاهي.. بائعين..».
الأحوال المعيشية بدأت تسوء أكثر فأكثر ومتطلبات الحياة تزداد، فإلى متى نظل على هذا الحال؟ ألا يحق لهؤلاء العمل باختصاصهم بعد هذه السنوات التي قضوها في التعليم ليكون لهم مكانة في هذا البلد أم إنه لابد لهم من انتظار السنوات الطوال؟
أصبحت الحياة تقسو على معظمهم والأغلبية الكبرى هم الذين يكابدون قسوة هذه الحياة، من حيث المعيشة، فخريجون أسرى في منازلهم بلا راتب، يعملون في كل الأعمال للحصول على لقمة عيشهم «بنائين، عمال مقاهي، سائقين و…..» وكأنهم لم يدرسوا ولم يحملوا شهادات ولم يمضوا سنوات من عمرهم للحصول على شهادة جامعية.

خريجون يعملون في وظائف لا تحتاج إلى شهادات مقابل لقمة العيش
أجبرت البطالة كثيراً من خريجي الجامعات والكليات على القبول بالحد الأدنى من الوظائف لتلبية طموحاتهم وأحلامهم؛ بعد دراسة متواصلة امتدت لسنوات في تخصصات متعددة انتهى بأغلبيتهم للرضا بأي وظيفة وإن كانت لا تتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم، ويرجع السبب كما ذكر عدد منهم إلى خلل بين ما تخرِّجه الجامعات وبين ما تحتاجه سوق العمل، وهو ما صعب عليهم الحصول على عمل يتلاءم مع مؤهلهم العلمي، وإن حصل فإنه يحتاج لانتظار سنوات طويلة، إضافة إلى أن بعضهم قد حتمت عليه «لقمة العيش» التنازل عن الشهادة الجامعية التي كانت بالأمس حلمهم الذي سيفتح لهم أبواب العمل من بابه الواسع، ولا يجدون حرجا في ولوج وظائف قد يتطلب بعضها شروطاً أقل من مستواهم الجامعي، وهو ما يتجلى من خلال تقديم بعضهم أوراقه لوظائف لا تتطلب في أغلب الأحيان سوى مستوى الثالث الثانوي، أو حتى أقل!
محمد. م (30 عاماً) شاب تخرج في الجامعة، ولكنه لم يجد وظيفة له عقب التخرج، ليبحث عن أي مجال يمكن أن يعمل به، وحين ضاقت به السبل، اضطر للعمل سائق سرفيس.
قصة محمد لا تختلف كثيراً عن الكثير من الشبان والشابات الجامعيين الذين سهروا الليالي، ليحصلوا على شهادة جامعية، ولكنهم يصطدمون بواقع مؤلم في ارتفاع نسبة البطالة.
وتقول سها: «بعد 4 سنوات في الجامعة، أضعت 12عاماً من عمري ما بين العمل في ساعات تدريس بأجر زهيد جداً وعقود ثلاثة أشهر، والآن أعمل في وظيفة بإمكان أي أحد أن يعمل بها، فهي لا تحتاج إلى دراسة ولا إلى ثقافة ولا حتى خبرة. وتضيف عندما يعلنون عن مسابقات يكون العدد محدوداً جداً أو معروفاً لمن لديهم واسطات، لذلك أصبح لدينا ملل من المسابقات وأصبحنا مجبرين على العمل في أي وظيفة خاصة وبأجر مفروض علينا قبوله.
ويقول جمال: «تخرجت منذ سنوات في كلية الآداب وتقدمت إلى المسابقات مرات عدة، ولكن من دون جدوى ورأيت أني سأنتظر طويلا للحصول على وظيفة، فلم أجد حرجا من التقدم إلى وظيفة (سائق) في إحدى الشركات الخاصة، والحاجة أجبرتني على هذا العمل.
أما نغم (خريجة قسم بيولوجيا) فتساءلت عن سبب قبول الجامعات لهم إن كانوا لم يوفروا لنا فرصة عمل.. أنا الآن أعمل مدرسة لدروس خاصة لطلاب المرحلة الابتدائية لأني بحاجة للعمل والمال.

عقول وخبرات شابة
يجب الاستفادة منها
سورية بلد الخيرات من سهولها وجبالها وصحاريها وبحرها كلها تجلب الخير، فقط هي بحاجة إلى تخريج وتنمية الكوادر البشرية التي تختزنها أرض هذا الوطن والصناعات والابتكارات التي نشاهدها يوماً بعد يوم من طلاب جامعيين. «رؤى جمال وزينب محمد» مهندستان مختصتان بتقانة الأغذية في كلية الهندسة التقنية في محافظة طرطوس اخترعتا أغلفة حيوية قابلة للأكل ومضادة للميكروبات، تستخدم من أجل حفظ الطعام في الكوارث والحروب، الشاب علي محمد الحسون الباكير/ طالب الهندسة الطبية في جامعة تشرين باللاذقية، يخترع كفا اصطناعية تساعد مبتوري الكف على العودة إلى حياتهم الطبيعية.
وحصد المخترع الشاب شادي خطيب الميدالية الذهبية في معرض الاختراعات الدولي العاشر في الصين الذي نظم هذا العام باختراع يتعلق بمعالجة الليشمانيا الجلدية من صمغ شجر الفستق الحلبي وقشور ثماره.
صمم المخترع السوري الدكتور «قحطان غانم» محرّكاً ميكانيكياً يعمل بواسطة أمواج البحر لتوليد الطاقة الكهربائية، قادراً على إعطاء النور لسورية كلها من دون استعمال أي مصدر آخر للطاقة، وبتكلفة بسيطة، وبإمكانية إنجاز المحركات في الداخل من دون اللجوء إلى أي قطعة غيار من الخارج، ومثلهم كثر ممن يمتلكون أفكاراً وخططاً ترفع اسم الوطن عالياً.
عدد كبير من الطلاب السوريين فازوا بالمراكز الأولى على مستوى العالم في مجال الاختراع ونافسوا أقرانهم من جنسيات عالمية، وهذا دليل على امتلاكنا طاقات وخامات متميزة، لكن تحتاج إلى الدعم والتوجيه لبناء البلد من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن