قضايا وآراء

اتجاهات ومؤشرات أهم الأحداث السياسية والاقتصادية 2018 -2019

| د. قحطان السيوفي

يلاحظ أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في عام 2018، ألقت ظلالاً كثيفة على الحراك الاقتصادي العالمي. رغم أنه شهد نهاية لمعظم آثار الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، كما شهد معارك تجارية كبيرة سببها السياسات الأميركية المتهورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يُطبق الحمائية، ويضع أعباء على الواردات القادمة من بلدان أخرى. وألغى مشاركة واشنطن في اتفاقات دولية، وواجه الحلفاء الأوروبيين. عام 2018 كان الأسوأ لأسواق الأسهم العالمية تاركاً المستثمرين يعانون مخاوف من مستقبل الاقتصاد العالمي في عام 2019.
توم ديجنان رئيس أسهم القيمة الحقيقية الأميركية في «يو بي إس أسّيت مانيجمنت» وصف الحالة المزاجية في نهاية 2018 بأنها «حالة مُلتبسة». ارتفاع الدولار في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي 2018، كما أدى تصريح وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين إنه «يفضل العملة الضعيفة»، إلى دفع الدولار للأدنى، لكن توقعات النمو الاقتصادي الأميركي وارتفاع أسعار الفائدة، جعل الدولار يرتفع. محللو بنك جيه بي مورجان وصفوا انتعاش الدولار بأنه «أبرز ظاهرة» لعام 2018. الليرة التركية عام 2018 انهارت بفضل رئيسها أردوغان وسياساته المتهورة والملتبسة.
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جاي باول قال إن أسعار الفائدة «بعيدة كثيراً عن كونها محايدة». اعتبر المستثمرون ذلك إشارة إلى أن البنك المركزي صعد وتيرة التشديد النقدي، وقد أحدث ذلك زلزالاً في سوق الأسهم، أسفر عن حصول موجة بيع كبيرة أطلق عليها المحللون لقب «أكتوبر الأحمر». الأيام الأخيرة من عام 2018 زادت حالة القلق بعد أن ذكرت وسائل الإعلام الأميركية أن دونالد ترامب يفكر في إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
المستثمرون يستعدون لمواجهة رياح معاكسة في عام 2019، ناشئة عن المخاطر الجيوسياسية. ما الرؤى والتوقعات لعام 2019؟ هل سيكون عام ركود وأزمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟ عام 2019 سيكون سنة من القرارات المهمة، أولها الانتخابات البرلمانية الأوروبية في أيار، والاتجاه المستقبلي للاتحاد.
الاستطلاعات متباينة حول حجم الإصلاحيين الشعبويين، أو مجموعة الشماليين المعطلين لوتيرة التكامل الأوروبي. الرئيس الفرنسي ماكرون، سبق وأطلق رؤية لمستقبل الاتحاد الأوروبي، وفشل حتى الآن في كسب تأييد يذكر لأفكاره. المستشارة الألمانية ميركل بلغت السنوات الأخيرة من حياتها المهنية. لم تستثمر رأس المال السياسي الحقيقي في التكامل الأوروبي، ولن تقبل باقتراحات ماكرون «خريطة طريق» لمعادل موازنة منطقة اليورو، وخاصة أنها خرجت، بسبب الهجرة، مستضعَفة سياسياً من الانتخابات الفيدرالية التشريعية. في أوروبا، انخفاض نمو الاقتصاد الألماني وأزمة «البريكست» وديون إيطاليا و«السترات الصفراء» في فرنسا جميعها تشكل ضغوطاً كبيرة على نمو الاقتصاد في القارة العجوز، كما أن اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة في الدفاع آخذ بالتلاشي.
الصين تريد من الاتحاد الأوروبي حرية الوصول إلى الأسواق الأوروبية، والتعاون في المجالات التي تعتبرها مهمة، الأمر الأقل وضوحاً هو ما يريده الاتحاد الأوروبي من الصين… الاتحاد الأوروبي قد يتراجع، ويصبح تحت رحمة القوى الخارجية، والصين من بينها.
في الولايات المتحدة بعد أن استعاد الديمقراطيون الأغلبية في الانتخابات النصفية لمجلس النواب ستبدأ إجراءات توجيه اتهام لترامب بالتقصير وسوء السلوك اعتباراً من كانون الثاني 2019، وأي أمور يكشف عنها تحقيق روبرت مولر قبل ذلك التاريخ، يرجح أنها ستساعد في أن ينقلب عليه بعض الجمهوريين.
في عام 2018، نفذ ترامب بعض وعوده الحمائية الطنانة، عن طريق اتخاذ إجراءات عقابية ضد الصين، بالحجة المزعومة للملكية الفكرية، وإنتاجها المدعوم للصلب والألمنيوم.
ترامب أمر، باتخاذ إجراءات انتقامية جمركية ضد سلع صينية. أدى ذلك لقرار صيني حازم بفرض رسوم جمركية انتقامية. في الصين الأرقام الرسمية مستقرة ورصينة ومن شبه المؤكد أن معدل النمو الرسمي للناتج المحلي الإجمالي سيأتي 6.5 في المئة. الاقتصاد الهندي يستفيد من انخفاض أسعار النفط ليحقق أعلى نمو عالمي عند 7.3 في المئة 2018- 2019 في الأسواق الناشئة ومن المرجح أن يكون التداول متقلباً. في بعض الأحيان ، متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع إلى 5 في المئة، بارتفاع عن 4.7 في المئة عن 2018، وهذا سيكون في الأغلب، لأن الاقتصاد في كل من روسيا والبرازيل، سوف ينتعش. بالنسبة للنفط في مطلع تشرين الأول 2018، وصل سعر خام برنت إلى 86 دولاراً للبرميل الواحد، وكانت التوقعات أن يصل السعر إلى 100 دولار للبرميل، هذا الكلام مبالغ فيه كثيراً. بالمقابل كان الرئيس ترامب مبتهجاً ما أثار مخاوف لدى البلدان المنتجة، التي خفضت في مطلع كانون الأول 2018 الإنتاج لأكثر من مليون برميل يومياً، ورافق ذلك انخفاض أسعار النفط بنسبة 12 في المئة.
سورية
أحداث الشرق الأوسط كانت محط اهتمام العالم في عام 2018 وستستمر خلال عام 2019، في ضوء سياسة الرئيس ترامب المتهورة والمتحيزة لإسرائيل حيث قرر نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني… وكانت انتصارات الجيش العربي السوري المستمرة على التنظيمات الإرهابية الحدث الأبرز في عام 2018، وستستمر سورية وحلفاؤها خلال عام 2019 بالتصدي للإرهاب وللتوجهات الانفصالية، وللاحتلال الأميركي والتركي للأراضي السورية. وستشهد دمشق في عام 2019 إعادة فتح المزيد السفارات العربية والأجنبية.
توقعات العام الجديد 2019 تتداخل فيها العوامل السياسية والجيوسياسية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها في مجملها تشير إلى أنه سيكون عام ركود في الاقتصاد العالمي، ويتوقع البعض انفجار أزمة مالية عالمية نهاية العام أو بداية عام 2020 كنتيجة حتمية لكبر حجم المديونية العالمية وعوامل أخرى.
التجاذبات والتنازع في الإرادات السياسية لكل من روسيا والصين وأميركا، حول قضايا سياسية واقتصادية… أديا لتغيير موازين القوى، كما تآكلت الركيزة الأيديولوجية للتحالف الغربي برمته، ويمهد الطريق خلال عام 2019 للبحث عن قواعد وآليات لنظام عالمي جديد مختلف عن النظام الراهن ويؤكد التعددية القطبية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن