ثقافة وفن

نهر بردى رئة دمشق ونعيمها .. أقنية النهر تغذي المدينة وتجعل النظافة ثقافة فيها

| منير كيال

ينبع نهر بردى بوادٍ ضيقّ بالسفوح الشرقية لجبال لبنان الشرقية، وترفده مياه نبع الفيجة بعد مروره بسهل الزبداني.
ولم يكن هذا النهر ليقدر على تجاوز الشريط الضيقّ من الخضرة التي تحاذيه ، لولا قيام الإنسان بحمل مياهه بعيداً عن مجراه، الأمر الذي يسّر اتسّاع عمران مدينة دمشق وريّ غوطتها، وقد ظهر هذا الجهد بحفر الأقنية عن يمين وعن يسار مجرى النهر، على ما كان ذلك من مناطق جبلية وعرة، وبذلك توافرت المياه لبيوت مدينة دمشق، وفق عدانات محكمة، كما توافرت المياه لمستلزمات المرافق العامة للمدينة.
وقد تمثل تلك الأعمال التي قام بها الإنسان، بشق الأقنية عن يمين ويسار مجرى النهر وهذه الأقنية هي:
قناة يزيد، وقناة توار والمزاوي والداراني وبانياس وقنوات.
1- وقد اشتقت قناة يزيد عن نهر بردى شمالي بلدة الحصانة، ويعود شقها إلى العهد الروماني، ثم اتسعت وتطورت بعهد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة (682) للميلاد فعرفت باسمه. تتخذ هذه القناة مجرى معلّقاً على سفح جبل قاسيون حتى منطقة الربوة ثم تغيب بالأنفاق داخل الجبل لتقدم المياه اللازمة لمنطقة المهاجرين والمالكي وشارع الرشيد والعفيف والصالحية حتى حي الأكراد. حيث عمد الإنسان إلى رفع مياه يزيد بالنواعير لريّ الأراضي التي أعلى من منسوب مياه قناة يزيد، أما قناة تورا فهي تشترك مع مياه قناة يزيد في توفير المياه اللازمة للأراضي المتاخمة للسفح الجنوبي لجبل قاسيون وتمثل هذه الأراضي الصالحية، وما تبقى من حي المهاجرين والحواكير وأبو رمّانة والشعلان فضلاً عن المناطق التي بالجسر الأبيض وشارع ركن الدين وشارع بغداد وسوق ساروجة والعمارة والقصاع والتجارة وكلتا القناتين يزيد وتورا اشتقتا عن يسار مجرى نهر بردى.
2- أما قناة المزاوي، فقد كان اشتقاقها عن نهر بردى قبيل بلدة دمر، ويكون مجراها مكشوفاً، ثم يختفي عن الأنظار إلاّ من فتحات يطلق عليها اسم الضوايات وهذه الفتحات تساعد على كري قناة المزاوي وتعزيلها ثم لا تلبث هذه القناة أن تظهر عند خانق الربوة، لتعاود الاختفاء بمجموعة من الانفاق، مخترقة أراضي المزة راسمة الحد بين الأراضي المروية عن يمين مجراها، والأراضي الجافة على الجانب المقابل.
3- أما قناة الداراني، فتنسب لأراضي داريا وقد اشتقت عن نهر بردى عند تقاطع الطريق العام مع خط السكة الحديدية بين موقع ديرة دمر وموقع الشادروان، ويسلك مجرى هذه القناة الأنفاق بعدة مواقع، ثم تتوجه مياهها إلى كفرسوسة وداريا وباب سريجة والفحامة، وبعض أراضي حي الميدان.
4- قناة بانياس: تعتبر هذه القناة أحد الشرايين الرئيسية التي تمون مدينة دمشق ومرافقها بالمياه، وهي تتفرع عن نهر بردى، عند مخرجه من خانق الربوة فتساير المناطق المطلة على جبل المزة ثم تنحدر إلى أسفل منطقة جامعة دمشق، وبعد ذلك تتوجه مياه هذه القناة شرقاً لتمون مياهها التكية السليمانية وجامع تنكز وشارع رامي وسوق العتيق، وهنا تختلط مياهها مع مياه قناة تورا.
أما ما تبقى من قناة مياه بانياس، فيتجه إلى السنجقدار والحريقة والسروجية وقلعة دمشق فحي الشاغور، كما يتجه قسم من مياه هذه القناة نحو منطقة السبع طوالع والبحرة الدفاقة والمسكية والجامع الأموي ومنطقة النقاشات والنوفرة والقيميرية.
5- ويعود اشتقاق قناة قنوات إلى العهد الروماني وهي تتفرع عن نهر بردى عند موقع الشادروان وكان مجرى هذه القناة بمدينة دمشق مكشوفاً ولم يكن هذا المجرى يختفي عن الأنظار إلا وسط حي القنوات وقد رفعت مياه هذه القناة فوق قناطر لإمكان إيصالها إلى أكثر أنحاء مدينة دمشق القديمة ارتفاعاً وذلك ما يطلق عليه اسم نظام الطوالع كما حدثت تبدلات على تخديم مياه قنوات بالعهد المملوكي والعثماني، فأصبحت مياه بردى ومياه قناة قنوات المتفرعة عنه تغطي مساحات مناطق واسعة من مدينة دمشق، وتموّنها بالمياه اللازمة لدورها ومساجدها وحماماتها وسبلانها ومرافقها العامة الأخرى، وذلك فضلاً عن توفير المياه اللازمة لري أراضي الغوطة بالراحة عبر شبكة تتماشى مع الطبيعة الجغرافية لجميع دور مدينة دمشق وغوطتها على غاية من الدقة والتنظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن