ثقافة وفن

مسرح ربيع الطفل و«الزائر الغريب»

| الحسكة - دحام السلطان

العمل المسرحي «الزائر الغريب» الذي تناولته فرقة المسرح القومي في الحسكة ضمن أعمال مهرجان مسرح ربيع الطفل المنفّذ على مستوى مسارح وزارة الثقافة في القطر، سبق أن تم عرضه ضمن فعاليات مهرجان الحسكة الثقافي الأخير الذي أقيم احتفاءً بيوم وزارة الثقافة العام الماضي، وها هو يعود اليوم من جديد ليفترش خشبة مسرح الثقافة بمدينة الحسكة على مدار أيام العطلة الانتصافية المدرسية.
والعمل ومن دون مقدّمات كان قريباً وملامساً وشفافاً من الواقع الحياتي الراهن اليوم، حيث حمل في مضمونه مجموعة مفردات وعبارات ضمن سطور واضحة ومفهومة شكّلت بمجاميعها رسالة بليغة لما يجري اليوم من حولنا على امتداد ساحة الوطن، وهو يأتي في سياق ما اعتدنا على ما يقدّمه المسرح القومي بالمحافظة من قضايا تكاد تكون من أولى الأولويات التي يتوق إليها جمهور المسرح والفكر والثقافة والأدب في محافظة الحسكة، للتعايش مع ما يجري من حولنا بمفهوم المثقف من منغصات معقّدة على مدار سبع السنوات من عمر الأزمة التي لا تزال تعصف بالبلاد.
العمل بحرفيته الذي استندت أدواته إلى حرفية الإبداع شكّلت بمجملها شخصية احترافية مركّبة وبسيطة في آن معاً لمحاكاة الأطفال أولاً واليافعين ثانياً وفي النهاية الأسرة بمجملها، حيث لامست ومن دون تكلّف ضرورة تأمين الحيطة والحذر ومن ثم الاحتراز من سهام الغدر والخداع والتآمر التي أدخلها إلينا الأجنبي بلبوس جديد مختلف الألوان، ودورنا جميعاً في التعامل باتجاه كل تلك المضادات الغريبة التي دخلت إلينا من النافذة والحتمية التي تتطلب منا إخراجها من الباب ذليلة خائبة ومنكسرة منهزمة في النهاية.
وأكد معاون مدير ثقافة الحسكة عبد الرحمن السيد أن هذه التظاهرة الفنية تُسجّل لمديرية المسارح والموسيقا بوزارة الثقافة، وبالنسبة لعرض الحسكة الذي حمل في طياته رسالة تربوية توعوية ذات مضامين وطنية صرفة، تتكلم عن ضرورة الانتباه من فتن الغريب الذي يريد زرعه سمومه وأوهامه بين الإخوة وبين أبناء الوطن الواحد، لافتاً: إلى أن العرض هو من تمثيل الكبار وهو موجّه نحو الأطفال واليافعين في آن معاً.
وبيّن السيّد: أن الحركة المسرحية في الحسكة لم تتوقف في مراكز المحافظة الثقافية، وكان للأطفال منها حصة في نشاطنا الثقافي، ولاسيما الأعمال المسرحية ومنها ما قدمه مهرجان ربيع الطفل المقام في جميع المحافظات.
وبيّن مخرج العمل الكاتب والمسرحي إسماعيل خلف مدير المسرح القومي في الحسكة أن عمل «الزائر الغريب» يندرج تحت إطار مسرح الأسرة، وأن فكرة العرض موجّهة للكبار والصغار على حد سواء، لذلك أردنا من خلال فكرة العمل وإن كانت مكتوبة ضمن إطار مبسّط وبلغة بسيطة جداً أن تكون على مستوى المتلقي وهو الطفل في المسرحية، فمن حيث المعالجة التقنية حاولنا قدر الإمكان أن تكون أسلوبية العرض تناسب الكبار والصغار في آن معاً، واعتمدنا أيضاً وبشكل كبير على الغناء في المسرحية وعلى الحالة المشهدية البصرية قدر الإمكان، مع الإشارة إلى أن العرض بمجمله يندرج ضمن إطار العروض الموجّهة للأطفال وضمن سلسلة الأعمال الطويلة التي قدمها المسرح القومي في الحسكة خلال السنوات الفائتة، علماً أن التوجّه نحو مسرح الطفل يعتبر في غاية الأهمية، لأنه يكرّس حالات المسرح وجمهور المسرح والطقس المسرحي وهذا أولاً، وثانياً هو بشكل أو بآخر يعيد حالة البسمة لأولئك الأطفال من خلال الكوميديا والأغاني الراقصة، وثالثاً والأهم مجرد دخول وارتياد الطفل إلى المسرح فإنه بشكل أو بآخر، يعتبر مكسباً لمتفرّج صغير ومتفرّج كبير والأسرة بمجملها، وهو بالنهاية رسالة لحضور أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع.
وقال الفنان باسل حريب الذي لعب دور شخصية الزائر الغريب في العمل إن الشخصية تمثّل إسقاطاً شبه واقعي لما يحدث في سورية، وبطريقة محببة للأطفال وبأسلوب غنائي راقص وضاحك، فالزائر الغريب الذي جسد رواسب ومفرزات كل من دخل إلى البلاد وعبث بها وبنفوس أبنائها، حاول من خلال الشخصيتين اللتين شاركتاه العمل، أن يوقع بينها قبل أن يكتشف أن المحبة والتآخي والإيمان بهما أقوى من أساليبه القذرة في التخريب والقدرة على العبث بأمن الوطن والمواطن، ومن ثم اكتشاف أمره وأساليب مؤامرته الدنيئة على البلد.
على حين أشار أسعد الذي لعب دوره الفنان عبد اللـه الزاهد، إلى أن فكرة العمل بسيطة جداً ويمكن أن نستنتج منها عنواناً عريضاً يدعو إلى منع كل غريب يحمل الدمار والخراب من الدخول إلى أرض الوطن، وهذا المنع له بواعث ودواع لها مدلول المحبة والتآخي والصفاء والنقاء بين أبناء البلد الواحد.
بينما أكد سعيد الذي لعب شخصيته الفنان عبد العزيز أملح، أن الشخصية التي لعبها ذات مدلول إيجابي في العمل، وكانت تحمل ذات المحبة والإخاء والصدق والإخلاص التي امتازت بها شخصية أسعد، وكانت الثقة والاتفاق هما الشيء المتبادل فيما بينهما قبل دخول الزائر الغريب، المجهول بالنسبة لهما والذي أراد بطبعه وممارساته أن يُحدث الشقاق والنزاع فيما بينهما وإثارة الفتن، قبل أن تصطدم تلك المفرزات ببواعث الحب والمصداقية التي كرّستها القيم الاجتماعية الواحدة بين أبناء الوطن الواحد.
وأوضح كاتب العمل الدكتور أحمد الدريس، أن النص المسرحي موجّه قبل كل شيء للأطفال ولليافعين، ومن ثم إلى الكبار ليشكل بمجمله رمزية عميقة ودرساً بليغاً لدى الأسرة مجتمعة، ومن هنا يمكن القول: إن النص لامس الواقع الراهن من خلال ما يحدث على ساحة الوطن من اختراق، مبيناً ضرورة مواجهة هذا الاختراق معرفياً من خلال الثقافة والفكر والموعظة غير المباشرة، مضيفاً: إنه من خلال هذا النص نجد أن «البستان» الذي كان محور العمل المسرحي هو المعادل للوطن وهو إرث الآباء والأجداد وعلى الأجيال أن تحافظ على هذا الإرث، ومن خلال العرض شاهدنا كيف كان الأصدقاء متشبثين بهذا البستان ومحافظين عليه، إلى حين دخول الغريب الذي أراد أن يضع يده على البستان ويستولي عليه بالاحتيال وإيغار الصدور وخلق العداوات بين الأصدقاء الذين هم الورثة الحقيقيون التاريخيون لهذا البستان، ومن هنا يأتي الصراع بين أصحاب الأرض أهل الوطن وبين الغريب الذي يريد أن يخرّب ويدمر كل القيم النبيلة من أجل أن يستحوذ على هذا الوطن الذي ينتصر أهله في النهاية، قبل أن نوصل الرسالة إلى أبنائنا لنقول لهم انتبهوا، لتكن عيونكم وأذهانكم مفتوحة ولا تتركوا المجال للغريب، لأن يندس بيننا ويخرّب لحمتنا الوطنية ويستولي على أوطاننا التي هي إرث الآباء والأجداد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن