ثقافة وفن

تاريخ جسور دمشق

| نبيل تللو

يخترق مدينة دمشق من غربها إلى شرقها «نهر بردى» ويقسِّمها إلى قسمين رئيسيين شمالي وجنوبي، ويخترق كلا القسمين ستة فروعٍ لنهر بردى هي إلى الشمال منه: يزيد، تورا، ومن الجنوب: بانياس، قنوات، المزاوي، الديراني، ويقسِّمون كلا القسمين إلى أقسامٍ أصغر، حتى إنَّ دمشق تشبه بهذه التقسيمات مدناً مقطعة بالجداول مثل البندقية في إيطاليا وأمستردام في هولندا، ولكن جداول دمشق أضيق وتسير بشكلٍ شبه مستقيم ومياهها عذبة. ومن الطبيعي أن يلجأ السكان إلى بناء الجسور فوق هذه الأنهار لتسهيل انتقالهم من قسمٍ إلى آخر ونقل حاجاتهم وأمتعتهم، فزاد عددها على الثلاثين، بعضها ما زال قائماً، وبعضها اندثر مع عمليات التجديد والتحديث، وزاد من أهمية هذه الجسور أن سُمِّيت المنطقة المحيطة بها على اسمه، حتى صار اسم الجسر لازماً لحيٍّ من أحيائها. في هذه المقالة سوف أستعرض أهم جسور دمشق مع نبذة عن تاريخها ووضعها الحالي، متنقلاً بين الأمس واليوم، مستمداً معلوماتها من مشاهداتي وذكرياتي، مع العودة إلى كتب التاريخ الدمشقي لتثبيت التواريخ، آملاً أن يتذكَّر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرَّفوا إلى ما لا يعرفونه، وإذا كان هناك معلومات أصح، الرجاء الإعلام عنها.

جسر فيكتوريا
وكان يقع وسط دمشق تماماً فوق نهر بردى، واصلاً بين شارعي «بور سعيد» و«سعد الله الجابري»، في البدء كان جسراً حديدياً لم أستطع تحديد تاريخ تشييده، وبين عامي 1924 ـ 1925 أيام الانتداب الفرنسي على سورية نُقِلَ هذا الجسر إلى باب توما، وبُني بدلاً منه جسر أوسع من الحجر ليوافق الآلة الحربية الفرنسية، وعُرِفَ باسم «جسر فيكتوريا» المستمد من «فندق فيكتوريا» المجاور له على الضفة اليسرى لنهر بردى، الذي تعود تسميته إلى أنَّه جُهِّزَ لاستقبال الملكة البريطانية «فيكتوريا» أثناء زيارةٍ كانت مقررة لها لدمشق، ولكنَّ هذه الزيارة لم تتم، وبقي الفندق قائماً حتى مطلع خمسينيات القرن العشرين، حيث هُدمَ وشُيِّدَ مكانه «بناء الحايك» الإسمنتي الذي تشغله حالياً مديرية أوقاف دمشق وعدة مكاتب ومحلات تجارية.
في عام 1962 بدأت عملية تغطية نهر بردى من أمام مبنى وزارة السياحة حالياً وحتى ساحة المرجة التي يمر نهر بردى تحتها، فزالت معالم الجسر نهائياً منذ ذلك العام، وظهر بدلاً منه تلك الساحة الواسعة التي يتردد ذكرها على ألسنة الناس بـ«ساحة فيكتوريا» أو «منطقة فيكتوريا» أو «جسر فيكتوريا»، على حين أنَّ تسميتها الرسمية المعتمدة في سجلات محافظة دمشق والمدونة في مكانٍ بارز هي: «ساحة الشام».

جسر الحرية
يصل بين شارعي «شكري القوتلي» و«رضا سعيد» حيث تقع التكية السليمانية والمتحف الوطني، إلى الغرب من ساحة فكتوريا، قريباً من مبنى وزارة السياحة حالياً، وكان الممر الأقرب إلى المدخل الرئيسي لمعرض دمشق الدولي، بُني في العهد العثماني أيام والي دمشق «شكري باشا» عام 1907، وسًمِّيَ الحرية تيمناً بإعلان الحرية الذي أعلنه حزب الاتحاد والترقي بعد انقلابه على السلطان عبد الحميد الثاني. استمرت حركة السير فوقه حتى عام 2017 عندما جرى توسيع وتنظيم شارع شكري القوتلي، وتمَّ إغلاقه أمام السيارات نهائياً وإبقاؤه مفتوحاً للمشاة، وذلك بعد تشييد جسرين حديثين على بُعد نحو مئة متر منه غرباً في عامي 1985، 2006، لتسهيل حركة الدخول والخروج من وإلى مركز انطلاق حافلات النقل العام تحت جسر «الرئيس حافظ الأسد»، الذي بُنِيَ عام 1982 فوق نهر بردى لوصل شمال دمشق مع جنوبها.

الجسر الأبيض
هو جسرٌ قديم منذ العهد الأتابكي في القرن السادس الهجري، اكتسب اسمه من لون حجارته البيضاء، كان يصل قديماً بين قسمي منطقة الصالحية الجنوبي والشمالي فوق نهر «تورا»، أو بين بستان الرئيس ومنطقة العفيف شمال دمشق حديثاً، ولكنه أزيل في خمسينيات القرن الماضي بعد تغطية النهر في تلك المنطقة، وتحوَّل المكان إلى ساحة حملت الاسم نفسه.

جسر النحاس
اكتسب اسمه من بانيه الأمير «النحاس الظاهري» من العهد المملوكي، يقع على نهر يزيد في منطقة ركن الدين، على بُعد نحو 100 م شرق ساحة شمدين، وما زال محافظاً على هيكله كما هو، وتنتشر المساكن حوله، ويُطلُّ عليه مسجد «حمو ليلى»، وتُعرف المنطقة باسمه.
جسر ساحة المرجة

هو جسرٌ حجري للمشاة فقط وسط ساحة المرجة فوق نهر بردى، عند الفتحة الوحيدة التي يظهر فيها النهر في هذه المنطقة، حيث ينقسم إلى فرعين متجاورين.
لم تكن ساحة المرجة، أو ساحة شهداء 6 أيار الذين أعدمهم جمال باشا السفاح عام 1916، بالشكل الذي هي عليه اليوم، فقد كانت متنزهاً على ضفتي نهر بردى الذي بقي مكشوفاً حتى سبعينيات القرن التاسع عشر. في عام 1807 أنشا فيها والي دمشق العثماني «كنج يوسف باشا» مبنى «سرايا الحكم» في المكان الذي تقوم عنده «بناية العابد» حالياً، وفي عام 1866 قام الوالي «محمد راشد باشا» بتغطية النهر في تلك الساحة، وتتالى إنشاء المباني الرسمية فيها. في عام 1962 غُطِّيَ النهر قبل وبعد الساحة، التي بقيت على حالها حتى عام 1992 عندما فُتِحت وسطها فتحة لأغراضٍ تجميلية ووظيفية يظهر النهر من خلالها، بجوار النصب التذكاري الذي شُيِّدَ عام 1905 بمناسبة تدشين خط البرق إستانبول- دمشق- المدينة المنورة وتحيط به حديقة، وبُني جسر المشاة فوق الفتحة وحوله حديقةٌ جميلة بالشكل الذي نراه اليوم.
أجل إنَّ جسور دمشق جزءٌ من تاريخها الذي يسعى الجميع لحفظه وصونه للأجيال القادمة، واقتراحي للجهات المعنية وضع لافتة عند كل معلم تاريخي تضمُّ معلومات عنه، فهذه اللافتات موجودة عند الكثير من المعالم وليس كلها، ومنها- على سبيل المثال- جسور فيكتوريا والحرية والنحاس الواردة في هذه المقالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن