ثقافة وفن

تجهزوا لمكافآت الحكومة

| إسماعيل مروة

منذ وقت وأزمة الغاز والوقود في تفاقم، والبطاقة الذكية صارت محور هم المواطن، وكأن كل شيء صار على ما يرام، ولم يبق إلا البطاقة الذكية، فهي الحل لكل الأزمات! وبما أن عدد سكان سورية قليل، فقد تم اختصار المراكز لتكون قليلة للغاية، فالاكتظاظ والإقبال علامة تحضر للمواطن الذي يسعى إلى البطاقة، وأطرف ما يمكن ألا يدركه الخيال أنني رأيت أحدهم يحمل إبريقاً من الشاي مع كأسين ويجلس بانتظار دوره من أجل البطاقة الذكية، وحين أقفل المركز بابه في السابعة مساء لم يصل الدور إلى صاحب الشاي، فكل إبريق وأنتم بخير.. والأجمل أن الحكومة حددت العمل بالبطاقة الذكية قبل إنجاز تسليمها، وبعض السائقين أخبروني بأن ما يتم صرفه سيقتطع من حصته في البطاقة الذكية بأثر رجعي! المهم أن هذه البطاقة هي طريق الحل لكل مشكلات الطاقة!
وبالأمس خرج علينا السيد وزير التموين الدكتور عاطف النداف ليجري عملية حسابية على تكلفة ربطة الخبز، يظهر فيها ما تتحمله الدولة في دعم الخبز، ويظهر المواطن جشعاً لا يقدر ما تتحمله الدولة من أجل الخبز، وللحق فإن هذه العملية الحسابية ليست من بنات أفكار السيد الوزير، فهي عملية يقدمها كل وزير للتموين عندما يتسلم مهامه، ولم يتنبه السادة الوزراء إلى أن هذه العملية جائرة ومن العيب أن تكون مسوغاً للأزمة.. بل إن هذه العمليات تسبق غالباً إجراءات تريد الحكومة أن تقوم بها، فيتم التركيز على الدعم والتكاليف ليصبح أمر رفع السعر لاحقاً مسوغاً. ويشكر المواطن للحكومة تحملها هذه الأعباء! وربما من جيوب السادة الوزراء ومن أعمالهم الخاصة التي يدعمون بها المواطن ويعملون على مكافأته!
وهكذا طارت ربطة الخبز من خمس عشر ليرة إلى ما هي عليه، وستطير مجدداً بفضل العملية الحسابية الوزارية، وستدعي الحكومة أن المواطن يقوم بصنع علف للحيوانات من الخبز على حساب دعم الدولة! نعم إن المواطن يقف بالدور لساعات ليجعل الخبز للحيوانات! المهم أن المواطن لا يقدر قيمة الدلال الذي هو فيه، فالخبز يكلف أضعاف ما يدفعه، والحكومة معطاء، فتجهز أيها المواطن لتصبح ربطة الخبز بمئة ليرة أو بمئة وخمسين، والشكر لشفافية السيد وزير التموين في إيضاح ذلك للمواطن حتى لا يظن أن رفع الأسعار يتم هكذا! وعلى الأقل ليعلم المواطن أنه بمنزلة أولاد الحكومة وأولاد السيد الوزير!
أما أزمة الغاز فقد ظهرت معادلات وستظهر أخرى تتناول تكلفتها وبأن المواطن لا يدفع ما يستحق، والدولة المسكينة تتحمل وأسطوانة الغاز تشكل عائقاً أمام مشروعات وزارتي النفط والتموين، ولهذا وبقدرة قادر قفزت في فترة قياسية من ثلاثمئة ليرة إلى ثلاثة آلاف، وطبعاً وزارة التموين تتابع التلاعب والزيادة لكن أزمة الغاز ستستمر حتى يكون الحل بمقاومة جشع المواطن ونهمه للغاز برفع سعرها إلى أربعة آلاف، وخاصة أن هذا المواطن عندما يفتقد الغاز أو أي شيء يملك القدرة الشرائية ليشتري بأضعاف السعر الحالي، وربما المقترح! مواطن لا يستحي، معه الكثير، ويريد دعم الحكومة ووزارة التموين ليصب في جيبه والحكومة المسكينة تدفع كل ذلك من جيبها، وليس من الضرائب والميزانية والثروات المحلية!
أما الكهرباء فحدّث ولا حرج فالحكومة العتيدة قبل الحرب تتحدث عن أعطياتها والتكاليف، وفي الحرب تتحدث عن العقبات والعمليات الإرهابية، وعن الأسباب في قطع التيار الكهربائي، وها هي بعد انتهاء الحرب تعود مشكلات الكهرباء إلى الظهور، وتحدث السيد وزير الكهرباء عن مشروعات لسنة 2023!
السيد رئيس مجلس الوزراء كان وزيراً للكهرباء في الحرب على سورية، وقد حاول يومها، وأوجد الحلول المؤقتة، ولم يعد خارج الوزارة، بل بإمكانه إيجاد الحلول وفرضها، ولكن أسهل الحلول عند وزارة الكهرباء كانت تقسيم الناس إلى مدللين وأنصاف مدللين ورعاع، ففي مناطق لا ينقطع التيار، وفي بعضها ينقطع لساعة أو أقل مع الاعتذار من حضراتهم وفي بعض المناطق تقطع ثلاث ساعات، وربما تأتي ساعة، والحجة الأعطال والسخانات والجو والسرقة! وكلها حجج واهية لا قيمة لها، فإن كانت الكهرباء في أزمة فليكن التساوي في التقنين، وإلا فسندعو للوزراء أن يسكنوا في مناطق غير مدللة، وخاصة أن أزمة الكهرباء مستمرة إلى عام 2023 كما طمأننا وزير الكهرباء..
أما الصحة وما أدراك ما الصحة، فعملية جراحية بسيطة فوق المئة ألف ليرة، وأنت طالع، والمعاينات في أقل حالاتها خمسة آلاف وإن سألت أحدهم من المعنيين يقل لك إن العملية التي تذكرها تكلفتها في دول الجوار عشرة آلاف دولار! والله صحيح، والمسؤول نفسه لا يجري عملياته وعمليات أسرته إلا في الجامعة الأميركية وبهذه الأسعار وأعلى، ولكن المرتب الذي لم يرتفع شعرة خلال الحرب هل يحتمل أن ترتفع العملية الجراحية من عشرين ألفاً إلى ربع مليون؟! والسيد رئيس الوزراء بشرنا بأنه لا زيادة على المرتبات، وعلى المواطن أن يتدبر أمره.. ولكن كيف؟!
أعطيات الحكومة قادمة، وجودة الرغيف التي تحدث عنها السيد وزير التموين اكتشاف لم يسبق إليه، وكأن جودة الغذاء ضرب من التفضل من سيادته! إن جودة الرغيف في المخابز الخاصة التي أطلقوا عليها لقب المخابز السياحية، وهي نسخة من المخابز اللبنانية تؤكد أنه بإمكاننا أن نصنع، ولكن هل تنبه وزير التموين إلى أن الخبز أغلى من دول الجوار أم إنه.. لا يتناول الخبز؟!
أنا لا أنتقد لوجه الانتقاد، وخاصة أنني شخص يتأقلم، ولم أخرج من بيئتي، وليس لدي متطلبات الوزراء والمرفهين والأغنياء لا أنا ولا أسرتي، ويمكن أن أعمل عشرات الأعمال من دون أن أحتاج أحداً، ولكن هالني ما نعيشه من حالة أقل ما يقال فيها: إنها حالة إذلال للمواطن الذي تشبث بسوريته، عندما ذهبت للبطاقة الذكية في السابعة صباحاً كان دوري 77 بالضبط، ولم أجد مسؤولاً ينتظر أو من يمثله! وحين ذهبت في الخامسة فجراً من أجل الغاز وعدت بخفي جرّة فارغة لم أسمع أن أحد المسؤولين اشتكى علماً بأن مرتب الموظف الأعلى لا يصل 400 دولار بما في ذلك الوزراء!
ألا يدعو ذلك للعجب؟
والحلول متوافرة، فما من سيادة لم تحصل على التأمين، وبأقل من ثوان ظهرت بطاقة التأمين، فلم لا تكون بطاقة البنزين مرافقة مدفوعة الثمن مع رمزها من دون إذلال؟!
أما النغمة التي نسمعها من السادة الوزراء والمسؤولين، ومن لفّ لفهم، فهي: إن سورية رخيصة، وهي أرخص بلد عربي، ويبدأ المتحدث المقارنة من سندويشة الفلافل إلى السهرات الحمراء وتكاليفها في سورية ولبنان، ويبدأ بتقريش الدولار على السوري ليدفعنا إلى شكر الله على ما نحن فيه من أفضال الحكومة!
وفات هؤلاء أن أصغر عامل في لبنان يتقاضى أكثر من ألف دولار والشواهد موجودة، فهل يتقاضى السوري مرتباته من دول الجوار أم من سورية؟!
عندما يكون المرتب مقارباً يحق لكم المقاربة، فالموظف هنا يتقاضى خمسين ألفاً، بينما الذي يعمل في الخارج يتقاضى أربعة آلاف فقط فانظروا إلى الفرق مع الانتباه إلى نوع العملة!!
حكومة أزمة، تعبير صحيح، لكن المواطن يرى أن هذه الحكومة تخلق الأزمة وتحافظ عليها، ولا تديرها لمصلحة المواطن، بل تدير ظهرها للمواطن غير آبهة بكل ما يجري له وبه، وما يمكن أن يترتب على ذلك فلينزل أعضاء الحكومة الأجلاء، كما يفعل السيد الرئيس، وليتجولوا بين الناس لا المؤسسات، عندها سيكتشفون هول ما يفعلون!
السيد رئيس مجلس الوزراء، أحبك الناس لأنك ميداني دوماً، فليكن هذا الحب سياسة، والحرص منهجاً، لكل أعضاء الحكومة، وخاصة أن التعديل حديث، وقد يطول المقام بالسادة الوزراء، والمواطن السوري يستحق، والشعب الذي وقف خلف قيادته يستحق، ولا ندري ماذا سيترتب عن الاستخفاف بحلم الحليم إذا غضب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن