اقتصاد

موسم التبذير!

| علي محمود هاشم

خلال أسابيع، أنفقت الحكومة ما واظبت عبر السنوات الثلاث الأخيرة على بيعه -بمناسبة أو دون- تدليلا عن قدراتها الاستثنائية «في ظل الحرب كما لم تفعل أي حكومة أخرى في العالم»، وفق ما تمضي بعض منصاتها إلى تصويره بطريقة درامية!.
قطاع الطاقة، الذي لطالما شكّل الركيزة المعنوية لـ «إنجازاتها» الاستثنائية تلك، سرعان ما تدحرج رأسه «من علٍ»، دافعا أمامه «الرزانة» التقليدية التي عادة ما تَسِم ردود الفعل الحكومية خلال الأزمات الشبيهة.
فما أن وقعت أزمة الغاز، حتى تصببت الحكومة عرقا وهي تخترع المسوغات، ومهما يكن من أمر الأسباب الحقيقية، فلم يتوان وزير النفط عن الارتماء طوعا في جوف «حفرة الصيد» عبر سلُم المبررات المتناقضة التي ساقها عن: دور الحصار الاقتصادي، استخلاص الغاز المنزلي، والبطاقة الذكية.
فالحصار الاقتصادي «غير الطارئ»، ساعة اقتراب الذكرى الثامنة لفرضه، ها هو يطل برأسه مجدداً بطريقة مغايرة لإعلانات الحكومة المتكررة خلال السنوات الأخيرة عن نجاحاتها الاستثنائية في مواجهته ضمن قطاع الطاقة، من خلال إنجازاتها «المفترضة» في تعزيز العقود الائتمانية وتسديد ثمن النواقل بما يجنبها ويجنبنا ويجنب الاقتصاد الوطني الانزلاق إلى ما دون رحمة الاستهداف الشتائي الروتيني، وصولاً إلى «الأمن الطاقوي» الذي لطالما باعته شعبيا عبر أوركسترا مزدحمة بـ«المردّدين».
تعزيز استخلاص الغاز المنزلي «من الطبيعي» المخصص لمحطات توليد الكهرباء، هو الآخر مبرّر مغموس بالتناقض، وبكل هذه السهولة والأريحية، فقد كان للحكومة أن تذهب إليه سريعا مع بروز المؤشرات الأولية للأزمة لا بعدها، ولكان المستهلكون حينها تحملوا جور التقنين الكهربائي، لا موجة متتالية من الأزمات المتزامنة.
بطاقة المشتقات الذكية هي الأخرى، وعلى الرغم من أهميتها الإستراتيجية البالغة: سابقا وراهنا ولاحقا، فقد جَعل لها ربطها بالأزمة الطاقوية «الطارئة» عداء شعبيا لا تستحقه، وممّن؟، من شرائح المواطنين الذين يُنتظر منها إنصافهم تاريخيا، ليس في وجه الفساد والهدر الداخليين المتغلغلين في هذا القطاع فحسب، وإنما أيضاً عبر انتشالهم من محاصصة لصوصية يخضعون لها قسرا مع مستهلكي الجوار بتسهيل من سلسلة متداخلة يقوم عليها فاسدو المشتقات العابرة للحدود، مستندين في ذلك إلى عائدية استثنائية تكرسها فوارق سعرية هائلة مع الدول المجاورة تكفل تحوّلها إلى السلعة رقم واحد على قائمة المهربات!.
ثمة صرفيات وطنية أخرى بذّرتها الحكومة جراء تهاونها في الاستعداد للأزمة الطاقوية الشتائية، فبالتزامن مع التفاؤل الذي ينتظر من قانون الاستثمار الجديد أن يشيعه، ومع الشعارات الكبيرة التي رفرفت خلال اجتماع لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية في مجلس الوزارء الأسبوع الماضي، فقد التهمت الأزمة الطاقوية -سواء كانت مصطنعة أو تقليدية.. مبررة أم لا- قسطا عزيزاً من إيحاءات التعافي وانهمار «الرساميل العالمية الباحثة عن مطارح مجدية للتوظيفات الاستثمارية» داخلاً بعدما أصابها «الإشباع الاستثماري» خارجا، وفق أقاويل الحكومة.
في كل شتاء، تبذر الحكومة ما تزرعه على مدار السنة، خلال أزمة غاز.. «إعادة الإعمار تحتاج إلى عمل وليس خطابات» تعني أن لا شيء يمكن فعله برؤوس الأنامل.. فقط!، لو تفعل الحكومة نصف ما تقوله!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن