ثقافة وفن

صناعة الإنسان

| أنس تللو

لا قيمة لأي بناء مهما علا وشمخ… ولا جدوى لأي مشروع مهما تطور وارتقى، ولا فحوى من أي مؤسسة مهما تباهت وازدهت ما لم يحتوِ هذا البناء وتلك المؤسسة على الإنسان الفعال الذي ينطلق بهذه المؤسسة ويسمو بها.
سِر في أي شارع من الشوارع تلقَ الكثيرين ممن يسيرون على غير هدى وأكثرهم ضائعٌ في الفكر تائه في الرأي… وقلما تلقى ذلك الإنسان الحصيف الذي يلفت النظر ويخلب الألباب.
ادخل إلى أي مدرسة فإنك واجدٌ ذلك الكم الكبير من الطلاب والأساتذة، ولكنك تبحث كثيراً لتصل إلى الأستاذ (اللامع) الذي يتهافت الطلاب على دروسه لأسلوبه البديع السلِس وطريقته المريحة المعجبة… بل إنك تجد الكثيرين من الأساتذة الذين ينفر منهم الطلاب أو إنك تجد طلاباً يسيئون بسبب ضلال في الفكر أو سوء في التربية.
لُـج إلى أي جامعة من الجامعات ترَ أنها تعج بأساتذة من مختلف الاختصاصات لكنك نادراً ما ترى فيها ذلك الأستاذ النادر الذي يشار إليه بالبنان… بل إنك تجد الكثيرين ممن يستهترون بالعلم والتعليم.
زُر أي مشفى من المشافي تجد كثيرين ممن يرتدون الملاءة البيضاء لكن قلة منهم من يكون (الطبيب البارع)… وأكثرهم ممن اتخذ مهنة الطب تجارة.
ادخل إلى أي مكتبة كبيرة تجدها ملأى بأرقى أنواع الكتب النافعة؛ ولكنك قلما تجد فيها ذلك الإنسان الراقي الذي يستقبلك ببشاشة ويودعك بامتنان.
فمن المسؤول عن هذا.
من المسؤول عن تلك التربية العشوائية غير السوية التي تصنع الأفظاظ، التي تسيء إلى النفس وإلى الغير وإلى المجتمع.
فمن هو المسؤول عن صناعة هذا الإنسان الراقي الذي ينشر الرقي والإنسانية على من حوله؟ من المسؤول عن صناعة المعلم الناجح والموظف البارع والطالب الجيد المطيع والطبيب البارع الحاذق.
من المسؤول اليوم عن زوال هيبة العلم والتعليم والمعلمين؟.
لماذا لا تكون هناك مدرسة تنموية كبرى تعنى بـ(تهيئة) الأفراد كل حسب اختصاصه؟ إذاً المجتمع له اختصاصات كما هي الجامعات.
ولماذا نحن بارعون في بناء الأبنية الفخمة وزخرفتها، ولسنا كذلك في بناء الإنسان.
نحن نصنع البناء صنعة مثالية فخمة وننفق في سبيل تزيينه وتنميقه وتزويقه الأموال الطائلة… ولكننا لا نكترث كثيراً لصناعة الإنسان الذي يملأ تلك المنشآت الفخمة فيهبها الرقي الحقيقي بعلمه أو فنه أو تواضعه أو أخلاقه إلا ما ندر.
الإنسان هو الأساس… ولا قيمة لأي بناء مهما سما ما لم يتوافر فيه من يملؤه بأخلاق الإنسانية.
ألا يستحق منا الإنسان أن نسعى إلى بنائه البناء الأمثل الراقي الذي يسمو به وبالمجتمعات كافة.
حين ندخل إلى بناء ما فقد يلفت نظرنا أن الكراسي وثيرة والطاولات فخمة والجدران مزخرفة والأسقف مزركشة والبناء فخم جميل.
البناء عظيم جداً لكننا نبحث عن القيمة الأكبر والعظمة الأبهى وهي الإنسان العظيم الذي يشغله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن