من دفتر الوطن

عزيمة الروح

| حسن م. يوسف

يُفرح قلبي كل ما من شأنه أن يقهر الظلام ويعيد لفاقدي البصر قدرتهم على الرؤية ولو جزئياً. ولهذا شاهدت شريط الفيديو الذي نشره مهندس البرمجة ساكيب شيخ عدة مرات وعلى وجهي ابتسامة عريضة.
فقد ساكيب بصره عندما كان طفلاً في السابعة، لكنه لم يفقد عزيمة الروح، فاجتاز مراحل دراسته بتفوق، مصمماً على دراسة علوم الحاسب الآلي، وقد وجد ساكيب نفسه بمساعدة الكمبيوتر «في عالم جديد مملوء بالفرص»، على حد قوله.
أظهر ساكيب تفوقاً في الدراسة وموهبة متميزة في الحوسبة، فتخرج مهندساً في البرمجة الحاسوبية وأصبح منذ عشر سنوات مهندساً مبرمجاً لدى شركة مايكروسوفت للبرمجيات.
يقول ساكيب شيخ: إن شغفه هو « العمل في مجال تحسين حياة الآخرين»، وحلمه منذ بدء دراسته الجامعية هو أن يتوصل لابتكار تطبيق يمكّنه ككفيف من معرفة ما يجري حوله، في أي لحظة. وقد نجح في ذلك مؤخراً، فهو يستخدم حالياً نظارة ذكية تقوم، إذ ما لمس ساعدها الأيمن، بوصف ما يجري أمامه صوتياً، وقد رأيت ساكيب في الفيديو يسير بمفرده في أحد شوارع لندن حيث يقيم ويعمل. وأثناء سيره يقفز بجواره شاب على لوح متحرك، وما إن يلمس ساكيب ذراع النظارة الذكية التي يرتديها حتى يسمعها تقول له: «أظن أنه شخص يقفز في الهواء مؤدياً حركة بهلوانية على لوح متحرك»!
يقول ساكيب إنه عضو في فريق من المهندسين تجمعهم رؤية واحدة هي تطوير تطبيق إلكتروني يساعد الكفيف من خلال إخباره عما يجري حوله وعمن يحيطون به. يعمل فريق المبرمجين من خلال واجهة مايكروسوفت المشتركة للبرمجة. يعمل التطبيق الذي أنجزه ساكيب وفريقه، على هاتف ذكي، يتفاعل مع نظارات ذكية مزودة بكاميرا، وقد شاهدته في الفيديو يقوم بتجربة التطبيق فأخبرته النظارة الذكية بما هو أمامه فعلاً: «أرى وجهين الأول لرجل ملتح في الأربعين من عمره ويبدو متفاجئاً، والثاني لفتاة في العشرين من العمر وتبدو سعيدة».
يقول ساكيب إن التطبيق: «يستطيع التعرف على عمر الأشخاص بشكل عام، وعلى جنسهم ومشاعرهم وهذا أمر لا يصدق»، كذلك يستطيع التطبيق التعرف على النصوص وقراءتها أيضاً. وهذا كان يصنف قبل سنوات خيالاً علمياً، لكن الذكاء الاصطناعي يتطور باستمرار وبمعدلات أسرع من أي وقت مضى. يضيف ساكيب: «أنا متحمس جداً لمعرفة النتائج التي سنحققها من خلال هذا التطبيق… لأن ما أنجزناه هو مجرد بداية».
للقارئ أن يستغرب من حماسي لهذا التطبيق، الذي ما يزال في طور البداية، لكن حماسي يتصل بمحبتي وتقديري البالغين للصديق والزميل العزيز الدكتور علي سليمان، الذي شاء القدر أن يمرّ في منطقة الحلبوني بدمشق، في مطلع عام 1997، عندما قام الظلاميون المجرمون بتفجير باص الركاب المريع هناك، فسرقوا نور عينيه وفرضوا سواد ضمائرهم مكانه!
صحيح أن هذا التطبيق ما يزال في خطواته الأولى، لكنه يشكل واحداً من أقوى الوعود التي يقطعها العلم لمن فقدوا نعمة البصر. قبل بضعة أعوام بدأ علي في استخدام برنامج «الناطق الآلي» الذي يحول الكلام المكتوب إلى كلام منطوق ويحول الكلام المنطوق إلى كلام مطبوع.
أعتقد أن حياة الصديق العزيز الدكتور علي سليمان الذي يقوم بالتدريس حالياً في جامعة أوكسفورد بعد أن حصل منها على شهادة الدكتوراه بتقدير ممتاز، تصلح مادة لسيناريو مسلسل تلفزيوني مهم، فهو إنسان يشع بطاقة إيجابية لا حدود لها، لأن سرقة الإرهابيين الظلاميين لعينيه زاد من عزيمة روحه، ما أهله للفوز بجائزة أفضل خريج في بريطانيا.
أخي الحبيب علي محمد سليمان أفتخر بك، وكلي أمل أن نلتقي قريباً وأن تراني كما أراك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن