الانشغال بالعاجل صار من سمات حياتنا، منذ دخلت القنوات التلفزيونية بتنافسها ساعات يومنا بقوة في بداية هذا القرن، العواجل كثيرة وبينها ما هو يستحق صفة «خبر مستعجل هام» وبينها ما لا يقترب من هذا الاستحقاق.
حاولت بعض القنوات مع تنبهها لفقر هذا المصطلح تطوير إيقاع الأخبار اليومية باختراع مصطلحات جديدة مثل ورد الآن وهام ومهم وغيرها.
لكن التوصيف ظل أسير السياسات الإخبارية والتحريرية، فبقي الخبر السريع الذي يرغب الإعلامي في إيصاله مرتبطاً بتلك السياسات لا بقيمة الخبر الصحفي أو تأثيره المحتمل في دورة الأحداث اليومية.
وانتقلت هذه «العلامة التجارية» لعصر انفلات الفضائيات نحو المحتل الجديد لدقائق ساعاتنا، وهو عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، بل تغذت على الفوضى التي تتميز بها هذه الوسائل وأدواتها.
واليوم تكثر العواجل، وتتكاثر، على شاشات هواتفنا وحواسبنا وغيرها من الوسائل متراوحة بين ما هو مهم وما هو ثانوي.
وبالطبع، في حمى مباريات كأس آسيا كثرت العواجل يوم الخميس قبل الماضي إثر خسارة المنتخب الوطني أمام الأردن، وتسابقت العواجل عن الإجراءات الإدارية اللاحقة بطريقة توحي بأن الحدث على القدر من الأهمية التي يستحقها. وطبعاً الأمر مهم، والخسارة مؤلمة، ولكن…
منذ عدة أشهر ضجت وسائل التواصل بإقالة مشابهة لمدرب المنتخب السابق أيمن الحكيم، وركب الرجل سيارة أجرة صفراء وغادر إلى بيته تلاحقه الاتهامات. وشتانغه المدرب الذي أصبح الآن مدرباً سابقاً غادر بعاجل مشابه ولكن بأموال أكثر.
ليس هذا المهم، فمهما حصل من الإقالات والاستقالات، وسواء جاء ذلك من قمة الهرم الرياضي العصي على التغيير، ووصل إلى رامي كرات في ملعب الجلاء، فإن النتائج المرجوة ستظل بعيدة.
السبب هو أن طريقة التفكير هي ذاتها.
هل قام أحدنا بإحصاء عدد المديرين والوزراء الذين مروا علينا؟ وهل تجرأ أحد على قياس نسبة التغيير؟ تقارب الصفر عموماً.
لماذا على الرياضة أن تكون أفضل من قطاعات أخرى؟
في الواقع تمتلك بعض الأمل، بسبب تطعيمها بحكم الواقع بالخبرات الخارجية والاحترافية العالية، وإن كانت في الوقت ذاته تستجيب لإدارة وما فوق إدارة لم تخضع تفكيرها لأي محاولة تطوير.
كلام سلبي. صحيح، ولكن لنتعلم من تجربة الأردن. كان منتخبهم متواضعاً بمشكلات المنتخبات الآسيوية الأخرى ذاتها. لكن ما شاهدناه في هذه التصفيات كان فريقاً يعمل وفق خطة، أعدت قبل أشهر من قدوم نهائيات آسيا، وهذا الكلام كلام المعلقين الرياضيين عن النتائج العملية لتلك التجربة.
ويمكن النظر لمنتخبات آسيوية أخرى، تطورت بالأسلوب ذاته، من فوق إلى تحت وليس العكس، كما لدينا، فتجنبت مشكلات احتكاك اللاعبين حول شارة القيادة، وسلوكيات نجوم فن لا مشاركين باسم بلد في مسابقة دولية كبيرة، وصولاً لطريقة الإدارة المتواضعة في اتحادنا الرياضي، والاستخفاف بمستوى التقدم الذي أصاب هذا القطاع الرياضي إقليمياً.
نصيحة من مشجع لمن يعنيه الأمر، اطلعوا على تجربة الأردن في تطوير كل منتخباتها الوطنية حاملة العلم الوطني. شاهدوا حوارات الخبير الرياضي الدولي بالحسن مالوش المشرف على نجاح تلك التجربة، وهي موجودة بكثرة على الانترنت.
استمعوا جيداً، للحلول والاقتراحات، وقارنوا النتائج.
حتى حينها، نحن بانتظار العاجل الأهم الذي يقول: إن عقليتنا ورؤيتنا تغيرت.
وإلى حينها كل نجاح نحققه هو معجزة.