ثقافة وفن

الكلمة الطيبة صدقة والملافظ سعد … تأثير العنف الكلامي على الأطفال

| ثناء خضر السالم

قال تعالى (ألم تر كيف ضرب اللـه مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء). وقيل: الكلمة الطيبة صدقة والملافظ سعد. هي عبارات تدلّ على الأثر الكبير الذي تتركه الكلمة فينا، فهي قد ترفعنا إلى أعلى سماء، وقد تهبط بنا إلى أقاصي الأرض، قد تدمّرنا وقد تبنينا. لها وقع في قلوبنا وأذهاننا نحن الكبار. فماذا عن البراعم الصغار.
الكلمات التي دأب معظم الأهالي على استخدامها مع أبنائهم عند الغضب منهما ( غبي، لا تفهم، حيوان، فاشل وكلمات أخرى لن أقولها). لم يعرفوا أن العنف الكلامي أقسى من العنف الجسدي وأكثر تأثيراً لكونه يبقى راسخاً في الذهن، ويؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس إن لم يؤد أيضاً إلى الفشل أو العقد فيستخدم من تعرّض إلى الأسلوب نفسه مع ابنه. وكما قلت أثره القاتل لا ينسى. فعلى سبيل المثال صديقتي الناجحة لا يمكنها أن تنسى ما كانت تتعرّض له من التعنيف الكلامي مثل فاشلة، فأراها في لحظات ما غير واثقة بنفسها متردّدة. تعنيف الأطفال أسلوب حياة اعتاده معظم الأهالي، نتيجة عدم معرفتهم لآثاره السلبية ولو عرفوا – برأيي الشخصي- لتوقّفوا عن هذا الفعل التدميري.

إليكم بعض الآراء
– لبنى الأشقر مديرة روضة خاصة: من خلال تجربتي في العمل مع الأطفال أكبر حافز للطّفل هو التشجيع المستمر ودعمهم عندما يقدمون أو يقومون بأيّة خطوة، وبالمقابل أي استخفاف أو إهمال لما قام به الطفل هو حد من إبداع هذا الطفل فكيف إن كان هناك تعنيف كلامي أسمّيه في عملي(إرهاب) بكل ما تعنيه الكلمة لأنه قادر على كبت وهزيمة جميع بوادر الطموح وخلق عقد في نفسية الطفل تنمو معه وتكبر، وتتحوّل لمرض اجتماعي في المستقبل.
– أحمد جوني موظف في الجامعة: يضعف ثقتهم بنفسهم ويولّد عندهم الشعور بالإهانة والدونية والخوف.
– مجدولين سليمان معلمة في روضة خاصة:عملنا تربوي بالدرجة الأولى قبل أن يكون تعليمياً بحتاً لأن الأطفال في هذه المرحلة المبكّرة من الطفولة يحتاجون أمّاً رؤوماً قبل المعلمة التي تلقنهم الدّروس، لذلك نحن نستقبل أطفالنا بكل حنان ورحابة صدر لمساعدتهم على تخطّي هذه المرحلة الصعبة والتكيّف معها، وتلقّي الخبرات التعليمية بيسر، وبالنسبة للعنف الكلامي أي الشتائم والإهانة الكلامية فأنا ضد هذا الأسلوب تماماً لأنه لا يجدي نفعاً مع الأطفال بل على العكس تماماً يؤثّر في نفسيّة الأطفال ويسبب تراجعهم في الدروس لذلك يجب على المعلّمة أو المربية الناجحة اختيار أسلوب التحفيز الدائم بالعبارات اللطيفة المنتقاة جيداً وغيرها من الوسائل المتاحة واتباع الأساليب الحديثة في إلقاء الخبرات عليهم والبحث الدؤوب دائماً عن وسائل وأساليب متميّزة. ومتابعة كل جديد مفيد وتطوير الذات وأخيراً يجب على المعلمة أن تكون خير قدوة لطلّابها بالسلوك لأنّها بمنزلة أم ثانية للطفل.
– علي محي الدين أحمد خريج اقتصاد، موظف: يكبر الطفل على كلمة يا حمار ويا جحش وبيطلع هيك فعلاً، ليس الأمر نبوءة وإنّما برمجة، حتى الذين درسوا الطب وفروعاً فخمة مجتمعياً، فاشلون لكونهم معنّفين بالصغر، وعندهم عقدة التفوّق، لذلك لا يوجد لدينا جيل قيادي. فأبي مثلاً بقي يقول لي أنت جحش حتى شعرت بالفشل.
– أغنار سلمان ربّة منزل: أحياناً نلجأ إلى العنف الكلامي تنفيساً عن الضغط الذي نعانيه نحن الأهل سواء أكان ضغطاً مادياً أم نفسياً أو نتيجة سعي وراء لقمة العيش فلا نستطيع أن نضبط أنفسنا إزاء أخطاء أولادنا التي تحتاج إلى الكثير من التروّي والتفكير حتى يستطيع الأهل حلّها، وقد لا نجد متسعاً من الوقت لحل المشاكل فنلجأ إلى العنف رغم أنه يترك آثاراً سلبيّة نحن أدرى بها، فقد عانينا منها في طفولتنا بسبب جهل الأهل ولكن للأسف نكرّر أخطاء أهلنا.
– رنيم العلي (معلّمة صف): من تجربتي كمعلّمة، لم يكن سهلاً اكتشاف نفسيّات الأطفال وتفكيرهم وتأثير ذلك في تحصيلهم العلمي، من خلال مسيرتي التعليميّة في سورية الحبيبة التي استمرّت 12 عاماً، يتّضح للمعلّم المدرك لأهمية مهنته بأن شريحة كبيرة من الأهالي لا يدركون ما يفعلون، ولا يعون مدى تأثير كلامهم على أطفالهم. آنسة أمّي ما بتحبني. ليش يا محمّد؟ البارحة كسرت كأس ماء وأخبرتني بأنها لا تحبني. من أهم الأشياء التي يخطئ بها الأهل هي خلط مبدأ العقاب بالمحبة المطلقة لهذا الطفل. من الممكن أن هذه الوالدة تكسر شيئاً أثمن من الكأس، ولكن عندما فعلها طفلها قالت: لم أعد أحبك. العنف اللفظي يترك آثاراً أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً، فهو يؤدّي إلى ضرر دائم في نمو وتطوّر الدماغ البشري. بإمكاننا معاقبة الأطفال من دون أن نؤثّر أو نصيب خللاً بنفسيتهم وإشعارهم بعدم الأمان والإحساس بالذنب المهوّل لما فعلوه، فنحن نعلّمهم ونربيهم ليواجهوا المجتمع وأهواله، لا ليواجهوا تقلّباتنا النفسيّة وهم في عمرهم اليانع. إن آثار العنف اللفظي أشد وأكبر بكثير من الألم الذي يحدث نتيجة العنف الجسدي، فآثاره السلبية على الطفل كثيرة ومتعدّدة، منها تدنّي مستوى احترام الذات، وعدم الثقة بالنفس، وتعطيل الطاقات الإبداعية، والتأثير في نمو الطفل بشكل عام جسمانياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً وأكاديمياً. هذه الأم نفسها تأتي لتسألني بصفتي معلّمة ابنها: لماذا لا يستطيع طفلي التحصيل كأولاد عمه؟ أو رفاق صفّه؟ لا تستطيع هذه السيدة أن تدرك فداحة فعل لسانها غير المسؤول عما يتفوّه به في تفكير ابنها وانشغاله وهوسه بالتعويض ليستعيد فقط محبة أمه أو محيطه. علينا أن ندرك جميعاً، أنّنا بحاجة لتربية أبنائنا لكن ليس بالاستعراض، خذ ابنك إلى غرفة جانبية، أو ابتعد قليلاً عن الجمع الغفير ووجّه له ما شئت من عقوبات وليس من مساومة على الحب والمشاعر.
– محمد الفاضل، مهندس أدوات طبية: سيىء جدّاً، يدمّر شخصيّة الطفل، العنف الكلامي صراخ وألفاظ سيئة تثبّط الهمّة، وتعطي طاقة سلبية للطفل.
– ريمان شكّوحي: مدرّسة لغة انكليزية: يعمل عند الطفل حالة من الرجوع إلى الوراء، نكوص. قد يكون محفّزاً في حالات نادرة جداً، قد يكون تحفيزيّاً ونوعاً من تحدّي الوسط وهذا يحتاج إلى شخصية قوية جداً. فالإعلامي الشهير ستيف هارفي لمّا كان طفلاً وتحدّث عن رغبته في العمل في التلفزيون سخرت منه المعلّمة وأنّبته وبعثت رسالة إلى أمّه ففعلت الأمر ذاته، كل التعنيف الكلامي والتحبيط لم يقف في وجه أحلامه وهو من عائلة فقيرة.
– حسام قعقع مخرج مسرحي: عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، كنت أجلس جانب ابن معلّمة، الذي أحدث ضجة، لكنّ المعلمة اتّهمتني وجّهت لي كلاماً قاسياً ما زلتُ أتذكّره حتى الآن، وكأنّه حدث البارحة. شعرتُ لحظتها بأنّي معتوه، مُعوق، عندي نقص، عندي مشكلة. وبدأت أفكّر أيعقل ذلك لأنه ابن آنسة وأحواله المادية أفضل من أحوالي وأنا ابن بيئة فقيرة؟ الأسى ما بينتسى، عنفتني من دون سبب وأنا في سن السابعة. حتى الآن أنا أتذكر تفاصيل الصف.
أعزّائي القرّاء هاهي ذي آراء الذين عايشوا التجربة أو اتصلوا بمن عايشها أمامكم، فما عليكم سوى أن تفيدوا من تجارب غيركم، وما على المدرّسين والمدرّسات إلا أن يفكّروا في الأبعاد التدميرية للكلمة قبل أن يقولوها للأطفال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن