قضايا وآراء

شرّ العمالة ما يضحك

| أحمد ضيف الله

بدعوة من «الجمعية الوطنية العراقية الأميركية للصداقة» عُقد مؤتمر في مشيغان الأميركية تحت شعار «إنقاذ العراق» في الـ5 من كانون الثاني 2019، بحضور أعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي، نظمه عدد من العراقيين الذين تحتضنهم الولايات المتحدة الأميركية بينهم ضباط ورجال أمن سابقون وعناصر من فدائيي صدام، بعد أن أخفق عراقيون آخرون بمنع إقامته ثلاث مرات بالتأثير على أصحاب تلك القاعات بعدم استضافة المؤتمر، ما اضطر منظموه إلى عقده في مطعم صغير.
وبُدئ المؤتمر بكلمة لعضو لجنة تنظيم المؤتمر حسام الراوي، تلاها كلمات عدة مقتضبة، نددت بالعملية السياسية الجارية في العراق، وما أسموه «التدخل الفارسي» في الشؤون العراقية والعربية، داعين إلى تعزيز مقاطعة إيران ومحاربتها.
الحضور والكلمة الأبرز كانتا لوزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي، والسيناتور الأميركي جيمس كوتي عمدة مدينة وارن الأميركية، الذي قام عدد من الحضور بمقاطعة كلمته لإشادته بصدام حسين، ما أدى إلى حدوث شجار بين الحاضرين ومن ثم تدخل الشرطة الأميركية لإخراج المعترضين بالقوة من قاعة المؤتمر، ليعود جيمس كوتي إلى معاودة قراءة كلمته مجدداً مشيداً بصدام حسين ونظامه، وسط استمرار الهتافات المعادية للمؤتمر والقائمين عليه خارج المطعم حيث يجري عقد المؤتمر.
فيما قال أيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق في كلمته: إن العراق هو «الأسوأ فساداً حسب تقارير الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني والتقارير الصحفية»، و«الأسوأ نظاماً سياسياً في العالم، لأن معظم ممثلي البرلمان والحكومة تابعون لأحزاب وحركات وميليشيات تعمل بشكل علني مع إيران الملالي»، وأن «الرئيس الأميركي مع إعادة العراق للمحيط الأميركي وإعادة ترتيب الجيش العراقي وإنهاء التأثير الإيراني على القرار السياسي العراقي وإعادة بناء كل البنى التحتية العراقية باستخدام الشركات الأميركية العملاقة»، مشيراً إلى أن «المعارضة الوطنية المدنية من اليسار إلى اليمين ومعهم أعضاء حزب البعث الشرفاء الذين اجتثوا بمؤامرة دولية ونفذتها إيران وأعوانها وجواسيسها في العراق لهم الدور الكبير في بناء عراق المستقبل، وباسمكم نطالب الرئيس ترامب وحكومته أن ينقذوا العراق من الهيمنة الإيرانية بتنظيفه من الميليشيات الإيرانية المجرمة»، مطالباً الحكومة الأميركية «أن تشكل حكومة إنقاذ وطني في العراق، حكومة يقودها جنرالات الجيش العراقي البطل يشارك معهم التكنوقراط المدنيون الوطنيون ويقودهم الجنرال المحبوب والمطلوب شعبياً الآن من معظم العراقيين الفريق الركن عبد الواحد شنان الـرباط».
رئيس حكومة الإنقاذ الوطني المقترح الفريق أول ركن عبد الواحد شنان الـرباط كان قد شغل منصب رئيس أركان الجيش العراقي في عهد صدام حسين «1995-1999»، ومحافظاً لنينوى حين غزت القوات الأميركية العراق عام 2003 وكانت فضائية «العراقية» شبه الحكومية قد قالت في خبر عاجل مساء الـ14 من تموز 2014: «إن جهاز مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع القوة الجوية يدمر وكراً للإرهابيين البعثيين والدواعش ويقتل أبرز قياداتهم الإرهابيين عبد الواحد شنان الـرباط، وفاضل الجماس، وعدداً من الإرهابيين في الموصل»، إلا أنه تبين لاحقاً عدم دقة مقتله حين ظهر في الإمارات العربية المتحدة، ولاحقاً ظهر في عَمان قادماً من لندن برفقة وفد أميركي في تشرين الأول 2018، حيث عَقد اجتماعات عدة مع قيادات من حزب البعث العراقي المنحل وشخصيات عشائرية معارضة للحكومة العراقية مقيمة في العاصمة الأردنية ودول خليجية.
وكان تنظيم داعش وجيش الطريقة النقشبندية الذي يقوده عزت الدوري نائب الرئيس صدام حسين قد أعلنا تسمية عبد الواحد شنان الـرباط محافظاً لنينوى حين سيطرا في الـ9 من تموز 2014 على كامل مدينة الموصل، بعد أن جاء في بيان لحزب البعث المنحل في الـ10 من تموز 2014، «ها هم أبناؤكم ثوار العشائر من مجاهدي العراق الأبطال الأشاوس يحررون بعمل جهادي مسلح جريء وشجاع جسور مدينة الموصل الباسلة بالكامل».
أما أيهم جاسم محمد السامرائي الذي يحمل الجنسيتين العراقية والأميركية، والعضو في الحزب الجمهوري الأميركي، الحاصل على الدكتوراه من معهد الينوي للتكنولوجيا في شيكاغو، كان مديراً عاماً لشركة «KSA» للمقاولات الكهربائية والطاقة الأميركية، وعضواً بفريق وزارة الخارجية الأميركية المكلف بإعادة إعمار العراق. وبعد تشكيل أول حكومة عراقية برئاسة أياد علاوي في ظل الاحتلال الأميركي عُين أيهم السامرائي وزيراً للكهرباء في الـ20 من أيار 2003 وفي الـ11 من تشرين أول 2006 أصدرت المحكمة الجنائية العراقية حكماً بسجنه عامين بعد إدانته باختلاس «532» مليون دولار، و«بالفساد والإهمال وهدر المال العام» وهي واحدة من 13 دعوى قضائية مرفوعة ضده، إحداها تتعلق باختفاء مبلغ ملياري دولار مخصصة لعقود في إطار إعادة إعمار البنية التحتية للكهرباء في العراق. وقد تمكن السامرائي من الهرب من مركز شرطة «كرادة مريم» الواقعة ضمن المنطقة الخضراء في بغداد في الـ18 من كانون الأول 2006، بمساعدة حراس من شركة «داين غروب» وهي شركة أمنية خاصة متعددة الجنسية كانت تعمل في العراق، وتقدم الحماية له كوزير قبل اعتقاله، ونجحت في عملية هوليودية بإدخاله إلى العاصمة الأردنية عمان بجواز سفره الأميركية، ومنها إلى أن وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية، مستفيدة من الحصانة التي منحها الحاكم المدني الأميركي بول بريمر لها، ولباقي الشركات الأمنية الأجنبية الأخرى كـ«بلاك ووتر». وهذه الشركات كانت في العموم متعاقدة مع القوات الأميركية والقوات المتعددة الجنسيات المحتلة للعراق لتقديم جميع الخدمات الأمنية لها. وقد تجاهلت الإدارات الأميركية المتعاقبة المذكرات العراقية المطالبة بتسليم أيهم السامرائي لها.
إن نكبتنا ومصيبتنا في الوطن العربي تكمن في وجود نخبة من القتلة والعملاء يعتبرون أن خلاص المنطقة العربية هو بإنهاء التدخل الإيراني فيها، والارتماء في الحضن الأميركي لإعادة بناء الأوطان بشركاته العملاقة، كمدخل إلى الحرية والتقدم والبناء، متجاهلين أعداء الأمة العربية الحقيقيين المحتلين لأراضيه.
المضحك في مسرحية شيكاغو أن قتلة فارين معروفين يقودهم محتال ولص يلعبون دور المنقذ للشعب العراقي بالدعوة إلى حكومة إنقاذ وطني بحماية أميركية.
حقاً شر العمالة ما يضحك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن