قضايا وآراء

ليس دفاعاً عن الحكومة.. ولكن!

| د. بسام أبو عبد الله

يبدو واضحاً جداً أنه مع كل حركة أو خطوة، أو أزمة تشهدها سورية نرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تستنفر للتشكيك أو شن الهجوم على الحكومة، ويتسع الأمر إلى تجاوز كل مؤسسات الدولة، وتوجيه الخطاب إلى الرئيس بشار الأسد من دون أي محاكمة عقلية، أو منطقية من البعض، فترى على وسائل التواصل «سوق عكاظ» يبدأ من التنظير، إلى الطروح الواقعية الموضوعية، إلى السب والشتم، إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، أو إقالة هذا الوزير أو ذاك، إلى محاولة خلق الأعداء في الداخل، ودب البلبلة بين صفوف الناس، والإشاعات بقصد أو من دون قصد.
كيف لا يفسر بعض فلاسفة «الفيس» كلامي على أنه محاولة للطلب من الناس عدم التعليق، أو كم الأفواه، أو إبداء الرأي في أي قضية وطنية، فما بالك بقضية خدمية معيشية حياتية تهم ملايين السوريين، وتمس حياة كل واحد منا في هذا الشتاء القارص القاسي، ولكن ما أود قوله سبق أن تناولته في قضية سابقة تتعلق بـ«مرسوم وزارة الأوقاف»، وقلت آنذاك إن علينا أن نقرأ قبل أن ننجر خلف الحملات التي تثار من دون أن ندرك أبعادها ومن دون أن نعرف أن هناك من يتابع كل تفصيل لدينا ليستغله في زيادة سعير الحرب النفسية والإعلامية، إضافة للحرب الإرهابية والعسكرية، فنكون بذلك نسلم أعداءنا مفاتيح للهجوم علينا في هذا الوقت الحساس، والخطير من الحرب علينا.
ولمن يناقش في القضايا الحياتية والمعيشية على صفحات التواصل أو غيره من حقه ذلك تماماً شرط أن يكون مُلمّاً بتفاصيل كثيرة لابد من أخذها بالحسبان، ومنها مثلاً، وللتذكير، أن الولايات المتحدة اتخذت عقوبات بحق مؤسسات الدولة السورية منذ عقود، ولكن بدءاً من 29 نيسان 2011 حظرت التعاملات التجارية مع سورية، وجمدت الأصول المالية للحكومة السورية، وعاقبت وزارة الخزانة الأميركية المصارف الحكومية السورية، والمصرف المركزي ومؤسسات عامة وخاصة، وأما الاتحاد الأوروبي فبدءاً من أيار 2011 سار على خطا واشنطن نفسها عندما فرض حزمة هائلة من العقوبات شملت تجميد الأصول المالية، وفرض حظر على واردات النفط السوري «الذي هو حالياً تحت سيطرة الميليشيات المدعومة من واشنطن»، كما فرض حظراً على قيام الشركات الأوروبية بأي استثمارات جديدة، ومنع إرسال أوراق مصرفية للبنك المركزي، كما عاقب شركات إنشائية مرتبطة بالقوات المسلحة، وحظر أي تصدير للمعدات الخاصة بصناعة النفط والغاز، والتداول بسندات الحكومة السورية، وقام بتجميد أصول البنك المركزي، وحظر التجارة بالذهب وغيره من المعادن النفيسة، مع حظر رحلات الشحن الجوي من سورية، إضافة لتجميد أصول «39» مؤسسة سورية، ومعاقبة مسؤولي الحكومة من وزراء وكبار الضباط والمسؤولين وغير ذلك الكثير.
جامعة الدول العربية فرضت في 27 تشرين الثاني2011 عقوبات اقتصادية، وعلقت جميع التعاملات مع البنك المركزي السوري، والمصرف التجاري السوري، كما أوقفت التعاملات المالية، والاتفاقات التجارية مع سورية، كما أصدرت أستراليا عقوبات مشابهة في 7 شباط 2012، وتبعتها كندا في 5 آذار 2012، وأما تركيا فقد تبعت قرار الجامعة العربية بثلاثة أيام أي في 30 تشرين الثاني 2011 لتفرض عقوبات مالية، وتوقف كل أشكال التعامل المالي والتجاري، وتجمد أصولاً مالية للحكومة السورية.
هذه هي الصورة، والواقع يجب أن نعرفه بكل دقة، لنفهم أن أطراف العدوان كانت تعتقد أن تتالي فرض هذه العقوبات خلال العامين الأولين من عمر الحرب على سورية «لاحظوا أن أغلبها ما بين 2011-2012» سيكون عاملاً ضاغطاً على الشعب السوري، وإذا ترافق ذلك مع ممارسات الإرهاب والقتل والتدمير الممنهج، فهذا سيؤدي حسب اعتقادهم وتخميناتهم إلى كسر إرادة الشعب والجيش والقيادة، وإيصال المواطن إلى مرحلة لا يمكن احتمالها ليقول لهم «أعلن استسلامي»! ولكن الأمور جرت على غير ما خطط له أعداء وخصوم سورية، إذ صمد الشعب السوري صموداً أسطورياً أذهل الجميع في هذا العالم، واستطاع الجيش العربي السوري بدعم الحلفاء تحقيق نتائج ميدانية عسكرية قلبت المعادلات، ما انعكس كما نرى على معسكر الخصوم انقسامات واتهامات وتشرذماً يبدو واضحاً.
الآن انتقل خصومنا وأعداؤنا إلى مرحلة جديدة تتمثل في ثلاثة اتجاهات أساسية:
 عدوان إسرائيلي مفتوح لمنع الجيش العربي السوري من الاستمرار في حربه على الإرهاب، وإشغاله وإنهاكه في الغارات المستمرة، وتقديم أوراق اعتماد جديدة للداخل الإسرائيلي قبل الانتخابات، وللحلفاء الذين ذعروا من الانسحاب الأميركي من سورية.
 فرض عقوبات على حلفاء سورية «إيران وروسيا» وحتى الصين لمنعهم من مد سورية بعوامل الصمود، ومن ذلك معاقبة السفن التي تقوم بنقل مواد الطاقة بمختلف أنواعها إلى سورية، وملاحقتها في البحار «تخيلوا ذلك» وهذا بالطبع سيؤثر في تدفق السلع، والمواد للسوق السورية، وسوف يتسبب بأزمات حكماً في ظل الحصار الخانق الذي عرضت له أعلاه، والذي يزداد ولا يتراجع.
 شن حملة إعلامية نفسية عبر المحطات الممولة من قبلهم، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تفيد أن الحكومة السورية فاشلة، وهناك أزمات تتحمل مسؤوليتها، ويستخدمون في هذه الحملة كتابات بعضنا، لأن أدواتهم التي استخدموها «المعارضة» فقدت مصداقيتها ولم تعد تؤثر في الشارع، ولذلك هم يعملون على تأليب الرأي العام ضد دولته وحكومته، من دون أن يذكر أي منهم «حجم العقوبات، والحصار المفروض على الاقتصاد السوري والمصارف» وظروف محاربة الإرهاب التي يُقر أحد مراكز البحوث الأميركية أن سورية فيها أكبر عدد من الإرهابيين في العالم 47.5 ألف إرهابي وقاتل محترف، أي إنهم يعتمدون على «كلمة حق يراد بها باطل».
كل هذا الشرح ليس لتبرئة الحكومة من التقصير الذي حصل في أزمة الطاقة، وما يزال إنما للإيضاح أننا في ظروف قاسية، وحرب مفتوحة لم تنتهِ بعد، لا بل إننا في أخطر مراحلها، ولا بد لنا من تعزيز لحمتنا الوطنية، والتعاون معاً لتجاوز هذه المرحلة الخطيرة.
لكن السؤال يبقى ألم تُقصر بعض المؤسسات الحكومية في التعاطي مع هذه الأزمة الحادة، أقول: نعم، وأنا هنا مع المواطن الشريف الصابر، المضحي في نقده، وغضبه، ولكن علينا أن نقول للحكومة أين قصّرت وكيفية الخروج من هذه الأزمة، وهنا أقول:
 قصرت المؤسسات الحكومية في التخطيط والإعداد المسبق الذي يفترض أن يبدأ من صيف العام الماضي.
 قصرت في وضع السيناريوهات البديلة في حال إخفاق أحد الخيارات، وهذا واجبها.
 قصرت في التعاطي الصارم منذ البداية مع أولئك الانتهازيين، واللصوص الذين يفترض بنا ألا نترك كرامة المواطن تهان على أيدي مستغلي وتجار الأزمات.
كل هذه العوامل يجب أن نقولها للحكومة بوضوح شديد، وعليها أن تُحاسب من يجب محاسبته في الوقت المناسب، ولكن علينا أيضاً أن ندرك تماماً أننا لا نخّون أبداً من ينتقد سوء الأداء الحكومي الذي يتكرر بين الفينة والأخرى، لكن على من ينتقد أن يُلم بكل هذه العوامل التي ذكرت، ويقدم رأياً موضوعياً، ومخارج وحلولاً، لا أن يكتفي بالعويل والصراخ والندب، فهذا لن يفيد أبداً، ويجب أن نعرف أنه كلما زادت المساحات المحررة من الأرض السورية، زاد الضغط على الموارد ومصادر الطاقة، التي هي في الأساس محدودة، وصعبة في ظروف لم يسبق لبلد أن تعرض لها.
النقطة الأخيرة التي أريد الإشارة إليها أن دعوا الرئيس بشار الأسد في مسؤولياته الكبرى، وأحبوا هذا القائد العظيم الذي تحمل ما لا يتحمله أي رئيس في هذا العالم، فالهجوم بالأساس موجه ضده منذ عام 2011، والاستهداف له شخصياً من أعدائنا لأنه قائد ثابت على مبادئه، ومخلص لشعبه وشجاع، وأذهل الجميع بصبره وحكمته ودبلوماسيته، دعونا نتعاون كمجتمع، وحكومة في التصدي لتجار الأزمات ولصوصها، وفي توعية الرأي العام، ولدينا من المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما يكفي للتعاطي مع الأزمات التي قد لا تتوقف في ظل هذا الحصار الخانق، وفي ظل سوء الأداء والتصرف، والتخطيط لدى بعض مؤسساتنا التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها بالتعاون مع المجتمع.
لا تحمّلوا الرئيس كل المسؤوليات، بل تحمّلوا مسؤولياتكم جميعاً كي ننتصر معاً، وجميعاً بتكاتفنا ولحمتنا الوطنية، لأن أعداءنا سيستمرون بمخططاتهم ضدنا، وما علينا إلا نشر الوعي، وتنظيم الصفوف والمبادرة، ومنع لصوص الأزمات والانتهازيين من استغلالها، لأنهم أكثر خطراً وفتنة بجهلهم أو طمعهم، وعلينا تنظيم الصفوف والتعاون والتكاتف في الأزمات، فالكل مسؤول مهما صغرت أو كبرت مسؤولياته، ولنعمل على آليات صارمة لمنع تكرار هذه الأزمات، والحد من تداعياتها بدلاً من تقاذف التهم، وتحميلها لبعضنا بعضاً، فالأعداء يتربصون بنا في كل مفترق وزاوية، ولكن جوابنا لهم: نحن صامدون، أما أنتم فساقطون حكماً، وستفشلون مهما حاولتم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن