الأولى

من نهش الكلاب إلى نعيق الغربان

| نبيه البرجي

كانوا في إعادة تركيب الخرائط وباتوا في إعادة تركيب الأولويات.
إذا أخذنا برؤية «فوكس نيوز» للتحولات البانورامية في الشرق الأوسط على مدى نحو عامين بقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصغي إلى نصائح وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر و«مشتقاته» في «الدولة العميقة» حول آفاق المنطقة، سيناريوهات متتالية وضعت أمامه قبل أن يلاحظ «كما لو أنكم تدلونني على طريق الجحيم».
ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الإستراتيجية الأميركية، وكثيراً ما تلفتنا آراؤه، قال، في منتصف العام الفائت: «إنه يقودنا حفاة إلى الجحيم»!
لهذا، اذاً، يحترف مستشار الأمن القومي جون بولتون قرع الطبول، لا قرع الأجراس، أينما حط رحاله.
حين كان جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، قال، في أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي: إن نظرية «حرائق الغابات»، أي الحروب المبرمجة لأغراض محددة، التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، تلاشت، كلياً، أمام التعقيدات الراهنة التي تحكم أكثر من مسرح للصراع.
كلام وراء الضوء عن أن هاس الذي سبق أن شغل منصب مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، ظهر في المكتب البيضاوي وعرض رؤيته للمنحى الإستراتيجي للولايات المتحدة في العقود الآتية. في رأيه أن الاستقطاب الأحادي الذي بدأ مع غروب الإمبراطورية السوفييتية، ألقى أعباء قاتلة على الإمبراطورية الأميركية.
هذا ما بدا جليّاً في كتابه «عالم تسكنه الفوضى- السياسة الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم». اعتبر أن الكرة الأرضية لم تكن يوماً كئيبة إلى هذا الحد. السبب وجود خلل رؤيوي في السياسات الأميركية التي يفترض أن تفترق عن فلسفة وحيد القرن، وترسي ديناميات جديدة للعلاقات الدولية.
إذا صحت المعلومات حول زيارته البيت الأبيض، يكون قد ردد أمام دونالد ترامب سؤاله الشهير «إلى متى قيّض لنا أن نراقص الوحول، ونراقص الدماء، في الشرق الأوسط»؟ أول من قال إن الإستراتيجيات الأميركية في المنطقة، وحيث الإدارة البهلوانية للأزمات، ارتطمت بالحائط ما بعد الأخير.
تناقضات مدوية في التعاطي مع المشهد العام، تزامناً مع انحدار دراماتيكي في «أوديسة القيم» لدى صناعة السياسات، وصناعة الإستراتيجيات.
أين جاريد كوشنر صهر ترامب؟ حتى إيفانكا ابنته تبدو وقد ابتعدت عن الضوء. لا أحد يقول إن صهر الرئيس يستطيع مقاربة «الملفات السريالية»، لكنه على علاقة يومية مع الرؤوس الساخنة في اللوبي اليهودي، وكان يعتقد أن دور الوجود الأميركي على الأرض السورية أبعد بكثير من أن يتصدى لوباء بنيوي مثل «داعش».
هذا الوجود يشكل نقطة التقاطع بين حلفاء الولايات المتحدة في الطريق إلى صفقة القرن. في لحظة ما، لاحظ ترامب أنه إنما يقبض على الريح.
في واشنطن يتردد أن الرئيس الأميركي الذي اعتمد أسلوب التغريدات في إبداء آرائه وضع جانباً إستراتيجية نهش الكلاب، وأحلّ محلها إستراتيجية نعيق الغربان. ماذا عن رأي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال ما يحدث في رأس دونالد ترامب؟
إذ عاد إلى المواقف، والسياسات، الدونكيشوتية، لا يبدو الارتياح على وجهه من موقف «الاستبلشمنت» إزاء ملف الجولان السوري. إنه يختنق. اعتداءاته التي ترد عليها سورية بقوة، وسترد عليها، قريباً، بقوة أكثر، أشبه ما تكون باللعب في الزوايا.
صناديق الاقتراع قد تبدو صادمة، ثمة تشققات في معسكر اليمين. غيورا إيلاند، المستشار السابق لمجلس الأمن القومي، سأل نتنياهو: «هل تدري إلى أين تودي بنا لعبة السكارى في إدارة الإستراتيجيات الحساسة»؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن