ثقافة وفن

طلب عدم ذكر اسمه

| إسماعيل مروة

تكثر ظاهرة إخفاء الاسم، سواء في الأوساط السياسية أم التنفيذية إذ كثيراً ما نسمع رأياً مهماً أو خطيراً، لكنه على لسان مصدر مطلع رفض ذكر اسمه أحياناً أو حرصت الجهة التي تنشر قوله على إبقائه طي الكتمان حتى لا تخسر مصدراً من مصادر معلوماتها.
وأحياناً عديدة يكون الإخفاء لأمر جلل، كأن يصرّح أحد المهمين في موقع ما بمعلومة ذات قيمة ومسؤولية، ويترتب عليها إجراءات تفيد الناس، ويخاف المصدر من غضبة المسؤول عنه! يفهم المتابع مثل هذا الإجراء الاحترازي بعدم ذكر المصدر، الذي يعتمد في دوائر السياسة لتسريب أشياء محددة قد يترتب عليها أحداث جسام، بل إن المصادر المغفلة تشكل أهم الأخبار الصادقة، لأنها مسربة بطلب خفي أو بوجود صاحب غاية.. المهم، وليس المراد أن أتناول هذه الظاهرة بالتحليل، فالجميع يعرفها أكثر مني، وعايشها أكثر مني، ولكن ما أريد أن أقف عنده وقد لفت انتباهي بشدة، هو ما يتردد في وسائل الإعلام، وفي باب الشكاوى من عبارة، من مواطن فضل عدم الظهور، من مواطن طلب عدم ذكر اسمه!
في البداية لم أكن لأعتني بهذه الظاهرة، لأنها طبيعية في نظري، ولكن المتابعة لما يجري جعلتني أقف وأعلق وأستغرب، المتحدث أو المتحدثة غالباً ما يتحدث في أمر خدمي، فهو يسأل عن مرتب لم يصرف، أو عن وظيفة طرد منها، أو عن فاتورة كهرباء ظالمة، أو عن مخالفة تموينية جائرة، أو عن خدمات سيئة في البلدية أو المحافظة، أو عن دروس خاصة، أو عن مياه ملوثة أو مقطوعة! أو.. أو..
وأسأل: لم يطلب المواطن عدم ذكر اسمه إذا كان صاحب حاجة وحق بالفعل؟ فمن المفترض أن يصرخ بأعلى صوته، وأن يصرح عن نفسه لعله يصل إلى حقه الذي سلب منه.. الكهرباء لا تأتي إلى مواطن يجبن أن يطلب حقه باسمه الصريح، والوزير والمسؤول لا يكترث للشكاوى، ولكن مع الشكاوى المغفلة يكون أكثر اطمئناناً، ويتعامل بطريقة أكثر استخفافاً.
الأصل في الأشياء أن يتحدث الإنسان في مظلمته بشكل علني وصريح وواضح، وأن يتابع قضيته، ولو كان خصمه في الموضوع كبيراً لعله يصل إلى حقه إن كان له حق.
وأول ما يتبادر إلى الذهن عندما يرفض المواطن ذكر اسمه أمران: الأول يشير إلى أن الشكاوى مؤلفة وغير حقيقية، وهذا ما يجب أن تتجنبه وسائل الإعلام، والثاني أن المواطن الذي يطرح أمراً ويغفل اسمه هو كاذب وليس صاحب حق، وفي أحسن الأحوال يكون مبالغاً ومتجنياً!
إن أكثر ما يريح الظالم أن يجبن المظلوم عن الحديث عن ظلامته، وأن يعود بنصيحة السادة المشايخ إلى الدعاء بأن ينصفه الله أو ينتصف منه، وعندها سيبقى الظالم ظالماً والمظلوم مظلوماً، وكلاهما سعيد بما هو فيه، وتنتهي الحياة من دون أن يصل أي منهما إلى نتيجة إلا إقرار الواقع واستمراريته وهذا أكثر ما يسعد الظالم..!
إذا كان الإنسان صاحب حاجة وحق فليرفع صوته، وليعلن عن نفسه، وليجابه ظالمه، ليصل إلى حقه، وما من شيء يخيف الظالم كصوت الحق، والحق وصاحبه في حالة تطابق.. مهما بلغ الظالم، إن برزت له بشخصك وصوتك فسيرتعد ويعيد إليك حقك، أما إذا بقيت متلطياً وراء حجاب فإن الآخر لن يراك، ولن يجديك الصراخ بلا هوية.
اسمك هويتك وجرأتك وحقك، وما من داع للمطالبة بحق وهمي لاسم وهمي.. مجرد صراخ لا وجه للحق والحقيقة فيه.
خصمان لابد أن يتقابلا ليسترد صاحب الحق حقه، فهل يبقى المواطن حريصاً على عدم ذكر اسمه وهو يشكو شربة الماء والتيار الكهربائي؟ وهل تنسرب هويتنا والأوطان من بين أيدينا ونحن نتخفى ونخاف؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن