من دفتر الوطن

حماية النصر

| حسن م. يوسف

«بأجنحة الغيظ، يستطيع حمار الحماقة أن يطير!» تذكرت هذه العبارة التي كتبتها منذ نحو ربع قرن وأنا أبحث عن مدخل لتناول حالة النزق المتبادل التي نعيشها في الداخل السوري. المشكلة الأساسية أن لدى كل طرف من الأطراف التي تتراشق التهم، ما يعزز رأيها ويبرر سلوكها، فالناس الذين صبروا وساندوا دولتهم الوطنية وجيشهم البطل طوال ثمانية أعوام يحسبون أن الحرب انتهت وأنه آن الأوان لكي يكافؤوا على صمودهم وتضحياتهم، بدلاً من زيادة معاناتهم. اللافت في الأمر هو أن بعض الفنانين الوطنيين الشرفاء، عبروا بلهجة لا تخلو من حدة، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، عن معاناة مواطنيهم وتعاطفهم مع تلك المعاناة وانتقدوا بوضوح أداء الحكومة وخاصة في مجال الخدمات. وقد بلغت موجة الانتقاد الغاضب ذروتها عندما توفي سبعة أطفال أشقاء، من آل عرنوس، تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات وثلاث عشرة سنة، نتيجة حريق اندلع في منزلهم الكائن في حي العمارة الدمشقي بسبب ماس كهربائي قيل إنه ناجم عن سخانة كهربائية.
الشيء المؤسف هو أن بعض المسؤولين ردوا على حالة الغضب بغضب مضاد! وسمحوا لأنفسهم بأن يصفوا ما يجري بأنه (حملات إلكترونية تدار من الخارج)! وكان يجدر بهم أن يضعوا الحقائق بين أيدي الناس بدلاً من ذلك!
لست أريد أن أدافع عن أداء الحكومة، فهي لا تزال تعالج المشاكل والتحديات الجديدة بالعقلية القديمة نفسها! كان يكفي لامتصاص نقمة الناس أن تتفضل الحكومة عبر إعلامها (الوقور)! بإعلام المواطنين أنها قد تعاقدت منذ أشهر على ما يكفي حاجة السوق من الغاز والمواد اللاهبة، وأن ثمة ثلاث نواقل نفط وغاز تنتظر حول قبرص منذ أشهر، لكن الأميركيين يمنعونها من الوصول إلى الموانئ السورية. وقد حاولت الحكومة السورية أن تنقل الغاز من تلك السفن ببواخر صغيرة، لكن الأسطول الأميركي هدد أصحابها بضرب بواخرهم وإغراقها. وإمعاناً في إجرامهم وضع الأميركيين قوائم بأسماء مصدّري وناقلي الغاز إلى سورية لمعاقبتهم، وهم يمارسون ضغوطاً كبيرة على البلدان التي تستورد المصنوعات والمنتجات الزراعية السورية ويهددونها بعقوبات قاسية في حال استمرارها بالاستيراد من سورية.
وقبل أيام حاول مجلس النواب الأميركي فرض مزيد من العقوبات مستغلاً قانون «قيصر»، الذي يعاقب كل من يتعامل مع الدولة السورية اقتصادياً وسياسياً، ما يثبت أن (الدولة العميقة) في أميركا تريد متابعة حربها ضدنا.
في ضوء ما سبق نستطيع القول إن المسؤول المباشر عن أزمة المحروقات الخانقة هو الحصار الأميركي المجرم! لذا أقول للسوريين: يؤسفني يا إخوتي أن أعلمَكُم أننا نعيش في هذه الأيام الجزءَ الأقسى من الحرب، فقد بردت الجراح واشتدت الآلام وجاء بردُ الشتاء ليزيدَ المعاناة ويفاقمَ الأخطار. صحيح أنه من حق من ضحوا وعانوا من أجل تحقيقِ النصر لسورية أن يرتاحوا، وأن يجدوا اللقمة الكريمة والدفء والمسكن والملبس، ومن واجب الحكومة أن تفعل المستحيل لأجل إنهاء معاناة هؤلاء، أو تخفيفها على الأقل. لكن الحرب لم تنته يا إخوتي، فالاعتداءات الصهيونية على وطننا مستمرة، والإرهاب ما يزال يطل برأسه، من خلال تفجيرٍ إرهابي هنا وآخر هناك، والأزعر الأميركي ما يزال يحتل أرضنا ويخنق دولتنا بالعقوبات، والمستعمر التركي الضبع ما يزال ينهش خاصرتنا كلما واتته الفرصة!
اعلموا يا إخوتي أننا ما نزال نخوض الحرب، وليس للحرب قلب، وإن كان لها قلب، فهو لا شك من حديد! صحيح أن الحرب قد حسمت على الأرض، لكنها مستمرة في مجالات أخرى وأنا أدعو إخوتي السوريين لحماية النصر الذي حققه جيشنا البطل وعدم التفكير بـتقاسم «الغنائم»، كي لا يتكرر معنا ما حصل في «غزوة أحد»، فما الشجاعة سوى صبر ساعة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن