قضايا وآراء

«قتل النفط ما بهم من سجايا»

| مصطفى محمود النعسان

أعلن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أن ماليزيا لن تسمح للإسرائيليين بدخول أراضيها وقال إن إسرائيل ترتكب العديد من الأفعال السيئة من دون أن تتعرض للتوبيخ مضيفا ليس بإمكاننا فعل الكثير ضد «إسرائيل» ولكن على الأقل يجب علينا ألا نظهر المودة لها.
تأتي كلمات رئيس الوزراء الماليزي ردا على النقد الذي تلقته بلاده لعدم السماح للإسرائيليين بالمشاركة في بطولة العالم للمعوقين التي من المقرر أن تقام في ماليزيا في تموز المقبل.
طبعا كلام مهاتير محمد جاء في العشرين من كانون الثاني الحالي وتلاه تصريح مماثل بل أشد منه نقلته وكالة «رويترز» في الرابع والعشرين من الشهر ذاته، أي في الوقت الذي تهرول فيه أنظمة الخليج العربي إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتبادل وفود رياضية وسياسية واقتصادية وعسكرية حصل هذا بالنسبة للسعودية وكذلك البحرين وسلطنة عمان والإمارات إضافة إلى المغرب العربي وحديثا تشاد.
أي إن هناك سعياً جاداً لإدخال الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة رغم خرقه المتكرر للقوانين والأعراف الدولية وقيامه المستمر بالاعتداء على الشعب الفلسطيني أرضه وحياته وكذلك على سورية ولبنان حيث اعترف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته الجنرال غادي ايزنكورت في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في الثاني عشر من كانون الثاني الجاري أن سلاح الجو الإسرائيلي ألقى ألفي قنبلة على سورية خلال العام الماضي.
إن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية تستوجب تصعيد المواجهة مع هذا المحتل المجرم في كل الميادين.
لقد وقف مهاتير محمد وقفة مشرفة يفترض أن يقتدي بها حكام الخليج وهي للأسف الشديد تأتي كما قلنا في وقت يتهافت فيه هؤلاء الحكام على التطبيع مع الكيان الصهيوني بل الأصح انتقال هذا التطبيع من مراحله السرية السابقة إلى مراحل علنية وأغلب الظن أن الشارع الخليجي سيرفضها في وقت من الأوقات ودليل ذلك المظاهرات التي عمت مختلف مناطق البحرين رفضا للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي في العاشر من تشرين الثاني الماضي.
تأملوا.. راقصة أرمينية رفضت أن تؤدي وصلتها على أحد المسارح الأوروبية لمّا علمت أن في المسرح رجال أعمال أتراك وذلك احتجاجاً على المذابح التي ارتكبها الأتراك ضد بني جلدتها قبل أكثر من مئة عام.
راقصة تقف هذا الموقف المشرف وفاء لدماء أبناء شعبها الذين قضوا على يد المجرمين الأتراك، فيما حكام الخليج وبعض الدول العربية والإسلامية يفتحون الأجواء والحدود أمام الوفود الإسرائيلية حيث يصول ويجول الصهاينة فيها من نتنياهو إلى وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريجف التي شبهت آذان المساجد في فلسطين المحتلة بنباح الكلاب، تستقبلها الدوحة وتستقبل وفدا رياضيا وآخر عسكريا وهكذا فعلت الدول الخليجية مع وفود أخرى مشابهة.
لقد وصل الأمر بنتنياهو إلى أن يتفاخر بالتطبيع مع أنظمة عربية ويؤكد أن المستقبل سيكشف عن المزيد من علاقات التطبيع مع بعض الأنظمة وهذا ما أكده أيضاً سفير الاحتلال في الأردن حيث قال: إن «إسرائيل» لم تعد كما في السابق دولة معزولة.
الحق أن غايات الكيان الصهيوني لا تقتصر على جعل العلاقات طبيعية في ظاهرها مع الدول التي فتحت الأبواب لهذا الكيان العدواني وإنما الغاية هي جعل هذا الكيان جزءاً من نسيج المنطقة والاستفادة القصوى من حركة التجارة وهذا ما حصل حينما زار وزير المواصلات الصهيوني دولة الإمارات حيث بحث إمكانية عبور البضائع الأوروبية المستوردة إلى الخليج عبر ميناء حيفا ثم العقبة ثم إلى مؤداها في الخليج وبذلك يتم الاستغناء عن الموانئ السورية واللبنانية.
والأنكى من ذلك أنه وفي وقت تعقد القمة الاقتصادية العربية في بيروت يقوم طيران الاحتلال بالاعتداء على سورية مرتين خلال 14 ساعة دون أن يلاقي هذا العدوان ولا حتى موقف تنديد أو استنكار من المجتمعين الذين أغلبهم يقيم علاقات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي هذا إضافة إلى مجازر «إسرائيل» اليومية بحق البشر والحجر والشجر الفلسطيني.
لقد اغتالت «إسرائيل» حوالي خمسة آلاف عالم عراقي بعد الغزو الأميركي للعراق وذلك في خطة منها للقضاء على مستقبل هذا البلد العربي وهي حين تفعل ما تفعل من تطبيع مع هذا النظام أو ذاك فهي لا تدخر حيلة ولا وسيلة أو مكيدة إلا دبرتها لنخر هذه البلاد وإضعافها وهذا ما حصل غداة التطبيع مع مصر حيث أرسلت فيما أرسلت شحنات كبيرة من العلكة التي تحتوي عناصر مثيرة للجنس وأمنت توزيع أغلبها في الأكشاك والمحال قرب المدارس الإعدادية والثانوية وذلك لإثارة الشبان والشابات بأساليب شيطانية وبالتالي فتح المجال لانحرافهم جنسيا وإشغالهم عن دراستهم وصنع مستقبلهم ومستقبل بلدهم.
فهل يرتجى الخير من هذا الكيان القائم على القتل والعدوان وهذه الأساليب الشيطانية حتى يتم التطبيع معه؟ هل التزم بالقوانين الدولية ولاسيما القرارين 242 و338 وانسحب من الأراضي العربية المحتلة وأعطى الفلسطينيين حقهم في دولة يقررون فيها مصيرهم؟ هل سمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين أم إن كل ذلك يسير عكسياً؟ فما الداعي إذاً للهرولة نحو التطبيع معه؟ أليس الأجدى والأجدر أن تتم المواجهة مع هذا الكيان على كل الصعد وفي مختلف المجالات.
إذا كان المحرك والدافع لدول الخليج بأن تفتح أبوابها للتطبيع مع هذا الكيان هو الطمع بحماية عروش حكامها فهذه جريمة أخرى تضاف إلى جريمة التطبيع لأن قوة أي نظام إنما تأتي من الإرادة الشعبية الداعمة له أولا وقبل كل شيء.
حقاً إنها مفارقة تدعو للأسف الشديد أن يرفض رئيس وزراء ماليزيا استقبال وفد رياضي إسرائيلي وان تقف راقصة أرمينية مع شعبها وتحترم دماء ضحاياه بعد أكثر من مئة عام على سفكه أما أمراء وملوك الخليج لا يخجلون من هدر الدم الفلسطيني يومياً وتهويد القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة لذلك حق عليهم قول الشاعر نزار قباني.
قتل النفط ما بهم من سجايا.. ولقد يقتل الثري الثراء

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن