قضايا وآراء

الإرباك في الشمال السوري

| مازن بلال

يمثل الحديث عن العودة إلى اتفاق أضنة بين تركيا وسورية بداية البحث الجدي عن فك الاشتباك بين الدولتين، وبغض النظر عن صلاحية العمل بهذا الاتفاق، أو عدم قدرة بنوده على استيعاب نتائج سنوات الأزمة السورية، لكن التطرق له من تركيا تحديدا يمثل مرحلة من التفكير بالتوازن بين الدولتين، وربما بوابة لصياغة علاقة لا ترمم ما خلفته الحرب؛ لكنها على الأقل تتيح هامشا سياسيا لعودة الهدوء إلى الشمال السوري.
بالتأكيد فإن اتفاق أضنة لا يتيح اليوم التعامل مع مستجدات سياسية وعسكرية، ربما أهمها الموقع الذي يوجد فيه السوريون الأكراد، ومن جانب آخر المساحات التي تتمركز فيها قوات أجنبية وفصائل عسكرية تدعمها تركيا، وعندما تطرح تركيا هذا الاتفاق من جديد فلأنها تدرك أن التعقيدات على حدودها الجنوبية تحتاج لأفق سياسي، وذلك بغض النظر عن طموح أنقرة في توسيع الحزام الأمني الذي تتحدث عنه، ويبدو الأمر وفق هذا السياق مستندا إلى أمرين:
– الموافقة الأميركية على الحزام الأمني وفق التصريحات التركية لا تحمل معها تفاصيل، أو أن واشنطن غير مستعدة للخوض بعملية سياسية – عسكرية من هذا النوع، تحتاج لاتصالات بأطراف تقاطعها الولايات المتحدة مثل سورية، أو بتنسيق مع موسكو وهو أمر غير وارد الآن.
تبدو روسيا كطرف آخر مستعدة للربط السياسي بين السوريين الأكراد والحكومة السورية، وهو ما عبرت عنه بعض التصريحات التي خرجت من قيادات كردية في الشمال السوري، ولكن موسكو عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف اعتبرت أن على أنقرة التفاوض مع سورية بشأن المنطقة الآمنة وليس مع روسيا، وربما لهذا السبب تحديدا عاد الحديث عن اتفاق أنقرة كإطار ممكن بين البلدين لبحث مسائل الشمال السوري.
– الأمر الثاني انتهاء مساحات المناورة العسكرية أو السياسية في محافظة إدلب السورية، فكل الاتفاقات بين موسكو وأنقرة لرسم حدود للاشتباك في تلك المحافظة وصلت إلى نقطة مستحيلة، حيث استطاعت جبهة النصرة طرد معظم الفصائل المدعومة تركيا من مناطق التماس على الأقل مع الجيش السوري.
إن هذه المسألة باتت تملك حساسية بالنسبة لأنقرة لكونها نقطة التفاوض الأهم مع موسكو، ومن الصعب بعد التطورات العسكرية في محافظة إدلب العودة مجدداً إلى البحث في نقاط خفض التصعيد السابقة نفسها، بل لا بد من إيجاد آليات مختلفة لحل معضلة وجود «النصرة» في تلك المحافظة؛ مما يعقد المهمة التركية عموماً في الشمال السوري، ويجعل أنقرة أمام احتمالات خطرة سواء في شرق الفرات أم في غربه وعلى طول الحدود مع لواء إسكندرون.
عمليا تجد أنقرة اليوم أن الاحتمالات المتاحة ليست صعبة وإنما غير واضحة، فلا الإدارة الأميركية في ظل الخلافات بين الكونغرس والبيت الأبيض؛ قادرة على حسم موقفها في شرق الفرات، ولا موسكو مستعدة للإخلال بالتوازن عبر الدخول في تفاصيل مسألة الحزام الأمني، فهي تريد من أنقرة المبادرة في هذا الأمر والتمهيد للعودة إلى التفاوض السياسي مع سورية، على حين لا تبدو تركيا مستعدة لهذا الخيار الذي يحتاج لأدوات سياسية ربما أهمها تخفيف تواصلها مع المعارضة وفتح قنوات مع دمشق، لتصبح على الأقل طرفا مقبولا في مباحثات سياسية بالنسبة للحكومة السورية.
حالة الإرباك في الشمال السوري لا تعود إلى عدم قدرة الأطراف الفاعلة على التحرك، بل لأن الاستحقاقات الحالية تتطلب واقعية على مستوى العلاقة مع دمشق بالدرجة الأولى، وربما الاعتراف بأن الجوار الجغرافي لسورية عليه المساهمة بدعم الاستقرار وليس بكسب أوراق سياسية لدعم نفوذه داخل الأراضي السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن