ثقافة وفن

الحضارة والتطور لا يعني الاستخفاف بالموروث

| هناء أبو أسعد

انتشر في سنوات الحرب هذه التي نعيشها، الكثير من الظواهر الغريبة التي لم نعتدها، وأهمها ظاهرة السخرية ببعض من موروثنا الثقافي وعاداتنا وأخلاقياتنا، وقد بدأ الترويج لهذه الظاهرة على سبيل دعابات ساخرة «نكت» يتداولها الشباب في جلساتهم أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا نوع من الاستهزاء بالحياة السورية والشعب السوري في ظل الصعوبات والظروف التي نعانيها، وإن حاول أيّ منّا معرفة مصدر تلك «النكت» يجدها مجهولة المصدر.
يفعلون ذلك متناسين أن بعض تلك العبارات واللهجات والعادات هي جزء مهم من ملامح الشعب وأسلوب حياته ومعتقداته ومعاييره، وتعكس مشاعر شعبنا على اختلاف طبقاته وانتمائه، وتجسّد أفكاره وعاداته وتقاليده ومعتقداته ومعظم مظاهر حياته، وهي بذلك عصارة حكمة شعبنا وذاكرته.
أيها السوري، لا تستمر في نشر مثل تلك الدعابات عبر «الواتس آب» التي تصل أحيانا إلى مستوى التجريح بالمجتمع ومكوناته لكن على سبيل نكت ودعابات وهدفها الرئيسي هو الاستخفاف والاستهزاء بالأخلاقيات التي تربينا عليها والاستخفاف بموروثنا الإنساني والأخلاقي وقيمنا الإنسانية التي أساسها المحبة.
هل نسيت أن تلك المقولات التي تستهزئ بها أنت على هاتفك المحمول «واتس آب»، ربما تكون نتيجة لحياة حكيم عقله مملوء بالفكر والوعي، أو ربما مقولة لمفكر كتب الأدب والتاريخ والفلسفة، هؤلاء من أسهموا في بناء حضارتنا وتاريخنا، فتأتي أنت وبحجة التقدم والمدنيّة والحضارة لتلغي كل ذلك بكبسة سخرية من هاتفك.
ربما يقول البعض علينا السير مع التطور والتقدم والتفكير بالعلم، هذا صحيح لكن العلم والتطور والحضارة لا يعني السخرية بالماضي والاستخفاف به وبالقدماء وحكمهم وتجاربهم أن تسلخ جلدك، فلو أن كل مجتمع انسلخ عن ماضيه وموروثه الثقافي والأخلاقي لذاب تحت أقدام المستعمرين والطامعين.
علينا أن نفخر بموروثنا وعاداتنا وتنوعنا، ونجعله مثالا للأمم لا أن نركض وراء القادم من الخارج لأنه الأجمل كما تراه، وخير مثال على ذلك الإنترنت الذي أصبح متاحاً بين أيدي الجميع، هو وسيلة للتعليم والاختراع والبحث لا للسخرية والاستهزاء. لذلك فالأحرى بك أن تتعامل مع العولمة والحداثة، كفرصة لاكتساب المعرفة أو كفضاء وأفق لتمارس خصوصيتك بصورة خلاقة وخارقة لحدود اللغات والبلدان والثقافات، مع الحفاظ على كل موروث لك لأنه هو الذي يحدد هويتك.
الحضارة لا تعني ذوبان الهوية والانخراط في عادات وتقاليد ليست لنا، وهذا نراه فقط عند ذوي الثقافة الضعيفة. إن حافظنا على ماضينا بوصفه الأصل، فهذا لا يعتبر تحجراً وتعصباً وانغلاقاً، لأن العادات والتقاليد والأعراف والنظم الأخلاقية والقوانين تستحق أن تُحترم إذا لم تتعارض مع الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع، ومن ينكر هذا بحجّة الحضارة والتقدم فهو ليس جديراً بالاحترام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن