اقتصاد

فنزويلا.. البرميل الأخير

| علي محمود هاشم

لطالما كانت الحرب الغربية على فنزويلا مسألة وقت..
في أسوأ التقديرات «السياسية»، تتجاوز الاحتياطيات النفطية والغازية المؤكدة التي يختزنها البر والجرف البحري لهذا البلد البوليفاري، بكثير عتبة الأحلام المتفائلة التي يتم اصطناعها لدى تناول احتياطيات أخرى في العالم كما في مملكة السعودية وغيرها.
هذا سبب أكثر من كاف لفهم النهم الوبائي للثروات الطاقوية في أعلى مستوياته، ساعة ولوج الغرب سراديب الفرار القسري من آسيا التي لطالما ارتكز عليها في بناء عالمه القديم الآيل للسقوط مع الجولات الأخيرة لـ«أم المعارك» العالمية شرق المتوسط، وتلقيه صدمة الصمود الأسطوري للجغرافيا السورية.
النفط الخليجي، الذي لطالما تم اتخاذه كعتبة اعتلتها الهيمنة الغربية للقبض على الاقتصاد والنظام المالي العالميين خلال الخمسين عاما الماضية من «البترودولار»، هو أقرب اليوم لما يشبه الأحمال الزائدة بعدما تهاوت أحلام الاستحواذ على مسارات تمريره إلى أوروبا شرق المتوسط، ليتحول بذلك إلى ثروة كبيرة يرنوها الكساد الجزئي بعينيه جراء قدرتها التنافسية المتقهقرة أمام تدفقات قناطر الطاقة التي تعبر أوراسيا بخطوات واثقة، كما في شرق آسيا.
بطريقة ما تنطوي على شيء من التوصيف السلبي، يخوض الغرب اليوم معركة الدفاع عن أسواره المتهالكة في أميركا اللاتينية بعدما عصفت الهزائم بحجارتها الاستعمارية القديمة من وسط آسيا فالعراق، فـ «صدمة سورية» الكارثية، وصولا إلى إفريقيا، وباتت تفسح المجال لحجارة العالم الجديد.. على هامش هذه الوقائع، يمكن النظر إلى النزعة الانتقامية التي تعصف بقطاع الطاقة والاقتصاد السوريين حالياً كمجرد إجراء كيدي لا غير.. أنه نهاية الحرب لا بدايتها.
الفرار الغربي المذل من آسيا من باب الصحراء السورية، يتهدد «رفاهيته الإمبريالية» ذات الحساسية الترمومترية البالغة، فانفجار «الرفاهية» هذه قد يكون كارثيا أيضاً لحظة تراجع منسوب جرعاتها من دماء الشعوب الأخرى، هذا الرهاب المستشري حتى العظم الغربي، يتطلب القبض على أدوات كافية لإبقاء حصة مناسبة من الهيمنة على ثروات الطاقة العالمية.. وفي حالة الولايات المتحدة الأميركية، تصبح الثروات النفطية والغازية باحتياطياتها الأسطورية المؤكدة في فنزويلا حبل النجاة الوحيد الذي يمكنه الإبقاء على روافع قيمة الحد الأدنى للدولار وجدار الصد أمام صدمة قيمية تلوح في الأفق، كما اقتصادها الشره للطاقة.
في أسوأ التقديرات حيال الاحتياطيات النفطية الفنزويلية، يتجاوز المؤكد منها الـ305 مليارات برميل، فيما البيانات الوطنية تؤكد أن الرقم يتجاوز عتبة الـ400 مليار، هذه المستويات المتقدمة بما لا يقاس، تكفي حاجة العالم لـ11 عاما كاملة وفق معدلات الاستهلاك الحالية دون أن ينتج غيرها أي برميل.
النفط الفنزويلي يكفي أيضاً استهلاك الولايات المتحدة لأطول من العمر الافتراضي لهذه الثروة الطاقوية حتى بعد انحساره المتوقع نحو القطاعات الصناعية في السنوات العشرين القادمة، فاحتياطياته المؤكدة يمكنها سد الحاجة الأميركية لـ44 عاماً دون أن تنتج الأخيرة أي برميل من مخازينها، كما يمكن له أن يفي الاحتياجات الأوروبية لنحو 55 تزيد بكثير عن العمر الافتراضي للنفط كمصدر رئيس للطاقة الاستهلاكية.
في كلا السيناريوهين الرقميين، تزيد الثروة البوليفارية النفطية هذه بكثير عما تضمنته سلسلة البيانات المتفائلة التي واظبت مملكة السعودية مؤخراً على إطلاقها إثر عقود طويلة من التعتيم على احتياطياتها.
فقبل أيام، استقرت بيانات مملكة السعودية عند 260 مليار برميل وسط شكوك عميقة بدقتها نظرا لارتباطها بطرح حصة سهمية من شركة آرامكو للاكتتاب العام وتطلعها إلى تحقيق أكبر عائد متوقع عبر تعزيز احتياطياتها المفترضة، ومع ذلك، فمخزونات فنزويلا المؤكدة تزيد عن تلك السعودية بنحو 16% في أسوأ تقدير، وبـ54% إذا ما اعتمدت البيانات الوطنية الفنزويلية كقاعدة للمقارنة.
الولايات المتحدة الأميركية التي يحتاج نفطها الخليجي لخمسة أسابيع قبل وصوله إلى مصافيها، تستطيع نواقل النفط الفنزويلي البدء بالتفريغ في مصبات خليج المكسيك بعد أربعة أيام وليلة، أوروبا هي الأخرى يمكن لها أن تحصل على نفط فنزويلي منافس عبر الأطلسي، مقارنة بالخليجي الذي انهارت أحلامها باصطناع رأس جسر وهابي لتمرير أنابيبه عبر سورية، ما سيضطره للاستمرار بقطع المسافات الطويلة المعهودة ودفع عمولات المرور التقليدية في قناة السويس..
والحال كذلك، فمن يحتاج إلى النفط الخليجي في أوروبا وأميركا إن كان لديه الفنزويلي؟!.
وفق أسوأ البيانات وأفضلها، فالبرميل النفطي الأخير الذي ستستخرجه البشرية سيكون من فنزويلا، وليس من غيرها كما يحاول الغرب القول عبر ألسنة متعددة للتغطية على جريمة العصابة الامبريالية القادمة في فنزويلا..
فمن اغتال الرئيس شافيز عقابا لتجرئه على وضع حد للصوصية الشركات البريطانية والفرنسية والأميركية بعدما استحوذت طويلا على كامل النفط الفنزويلي، لا بل حرمان الحكومة البوليفارية حتى من ضرائب ثروتها النفطية عبر الإنفاق التبذيري لعائداته خارج الحدود، فمن المؤكد أنه يتمتع بكامل الملكات الإجرامية اللازمة للقيام باجتياح دموي جديد لهذا البلد، مستبدلا جيشه الوهابي الاحتياطي المتأهب لخدمة المصالح الغربية في آسيا، بطريقته المعهودة في الإبادة المباشرة للسكان الأصليين في أميركا اللاتينية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن