من دفتر الوطن

دكان أبو أنور!

| عصام داري

أهالي دمر، تلك القرية الكبيرة القريبة من العاصمة دمشق، كانوا يتذكرون دكان أبو أنور التي كانت بمنزلة سوبر ماركيت بمفهوم هذه الأيام.
لم تكن هذه الدكان هي الوحيدة في قريتنا الكبيرة التي تبعد عن دمشق نحو سبعة كيلومترات لا أكثر، بل كانت الوحيدة التي تجد فيها كل متطلبات المنزل، ولا تستغربوا إذا قلت إنها كانت تبيع كل شيء تقريباً من الأجبان والألبان والسمن والزيت والسكر والملح والبهارات والمكسرات والسكاكر والخبز، وحتى حبوب«أسبرو» وصولاً إلى المسامير والبراغي والإسمنت والجبصين (الجص) وحتى الكاز ذلك الوقود المستخدم في المصابيح القديمة المعروفة.
باختصار كان دكان أبو أنور بمنزلة وزارة التموين وحماية المستهلك توفر للناس كل شيء، وبأسعار معقولة، ولولا وجود دكان أبو عمر للخضراوات وبجانبه جزار يبيع الخروف الواحد على مدى ثلاثة أو أربعة أيام، لكان الحاج أبو أنور قد اشتغل بالخضر والفواكه واللحوم.
كيف يمكن التوفيق بين كل هذه المكونات في دكان واحد؟ وإذا كان الزبون يريد كيلوغراماً من الجبن صاحب المذاق، وكان أبو أنور يبيع في اللحظة ذاتها الكاز أو الإسمنت والمسامير، فكيف لاتتأثر الأجبان برائحة هذا النوع من النفط، أو غيره، وكيف يضمن الزبون البضاعة التي يشتريها ما دام صاحب الدكان يبيع كل هذه البضائع المتنوعة وفي الوقت نفسه؟ والغريب أن أحداً لم يشتك قي أي يوم، بل على العكس، كانت الزبائن تترك الدكان وهي في غاية الامتنان والغبطة.
أتذكر دكان أبو أنور وأنا أتابع حالنا هذه الأيام، ومع معرفتي أن الظروف تغيرت جداً، وأن ما تتعرض له سورية منذ سنوات يجعل الأزمات تحاصرنا من كل حدب وصوب، وأن الحصار الجائر على سورية من دول كبرى، وحتى من ذوي القربى، لكننا نستطيع تخفيف حدة هذه الأزمة عبر وسائل عديدة، أهمها التكافل الاجتماعي والتعاون والعمل بروح فريق واحد، كل فرد في مجاله، كي نحاصر حصارنا، ونغني مع ماجدة الرومي من شعر محمود درويش: «حاصر حصارك لا مفر».
لن نقف في الطوابير للحصول على «جرة غاز» أو عدة أرغفة من خبز يصلح لبني البشر، أو المحروقات لنشعر بالدفء في عصر الزمهرير، وغير ذلك، ألا تتذكرون معي أننا منذ سنوات طويلة جداً نعاني أزمات متلاحقة: أزمة محروقات وخبز ومحارم ورقية وسمنة وزيت وحتى أزمة بن، فكيف نستقبل صباحنا من دون فنجان القهوة؟
كل أزماتنا تتزعمها أزمة الضمير الذي أخذ غفوة منذ وقت طويل، وحتى تتم عملية إنعاش هذا الضمير نحتاج خمساً وعشرين سنة ضوئية على أقل تقدير، إلا إذا شعر أصحاب الضمير المرحوم أنهم سيواجهون وجه ربهم في وقت قريب، فقرروا التوبة وطلب المغفرة من الشعب المنهوب والمغلوب على أمره، وهذا أمر ينطبق عليه القول: «أمل إبليس في الجنة»!
حتى ذلك الحين حبذا لو وجدنا دكان أبو أنور في كل حي من أحيائنا، وبالتالي الاستغناء عن وزارة التموين وحماية المستهلك التي يستطيع شخص واحد عنده ضمير حي تشغيلها بكفاءة عالية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن