قضايا وآراء

العرب و«قانون دبلن» لمقاطعة إسرائيل

| تحسين الحلبي

بعيدة إيرلندا حقاً في الجغرافيا عن فلسطين بالمقارنة مع الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة لكن إيرلندا بدت قريبة من قضية الشعب الفلسطيني وأقرب من بعض الدول العربية في وقتنا الراهن، فقد نجح التصويت الأول في البرلمان الإيرلندي في دبلن العاصمة بأغلبية 78 مقابل 45، على عرض مشروع قانون إيرلندي على البرلمان لمناقشته والتصويت عليه في جلسات أخرى حتى يصبح قانوناً ساري المفعول إذا حصل على الأغلبية، والقانون ينص على مقاطعة إيرلندا لجميع المنتوجات والخدمات التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والجولان العربي السوري المحتل وفي القدس الشرقية المحتلة، كما ينص على فرض عقوبة بالحبس خمس سنوات وبغرامة قيمتها 250 ألفاً من الجنيهات الإيرلندية على كل من تتم إدانته بخرق هذا القانون.
إنه أول قانون من هذا القبيل يراد فرضه في تاريخ الدول الأوروبية ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ عام 1967، وكان مجلس الشيوخ الإيرلندي قد وافق بالأغلبية في تموز 2018 على تبني هذا المشروع وقرر عرضه على البرلمان لتحويله إلى قانون بموجب النظام البرلماني.
لقد جن جنون إسرائيل بعد أن تقرر قبل يومين التصويت عليه للمرة الثانية في عملية تحويله لقانون وكان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان قد طالب الحكومة بإغلاق سفارة إيرلندا، رداً على هذا المشروع وقررت الحكومة الإسرائيلية استدعاء سفيرة إيرلندا في تل أبيب أليسون كيلي، لإبلاغ رسالة احتجاج إسرائيلية ضد إيرلندا.
الحكومة الإيرلندية أعلنت أنها لم تستطع أمام التصويت البرلماني إيقاف عملية مناقشته وعرضه مرات أخرى حسب النظام الدستوري لرسم القوانين لكي يصبح عند موافقة الأغلبية عليه قانوناً ملزماً، واعتبرت إسرائيل والمدافعون عنها في الأوساط الصهيونية، أنه سابقة أولى في تاريخ الدول الأوروبية، وقد حاولت هذه الأوساط منذ شهر تموز 2018 حشد ضغوط أوروبية وبريطانية وأميركية لإيقاف عرضه والتصويت عليه من دون جدوى، فقد تمسكت الأحزاب الإيرلندية المناهضة للصهيونية وللاحتلال بهذا الموقف واعتبرت صمت العالم وأوروبا على وجه الخصوص نفاقاً ودعماً للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان.
في الحقيقة تعد هذه المحاولة الإيرلندية وكأنها رد على مشاريع تقارب بعض الدول العربية مع إسرائيل ودعوة مناسبة في هذه الظروف بالذات للسلطة الفلسطينية بإعلان مقاطعة الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس لجميع ما تنتجه المستوطنات التي تحيط بهم، فإذا كانت إيرلندا ستعاقب بالحبس كل من يستورد هذه المنتوجات ويشتري خدمات من المستوطنات، فماذا يفعل الفلسطيني الذي يجد نفسه في كل لحظة ضحية للمستوطنين وما ينتجونه على حساب أرضه ورزقه ومستقبله، وهل قدمت اتفاقية أوسلو سيئة الذكر، إيجابية واحدة للقضية وللشعب في كفاحه ضد المستوطنين المحتلين والمستوطنات؟!
إن قرار دبلن الجديد هذا يجب حمايته من الفلسطينيين أولاً ومن العالم العربي ثانياً، لأن حملة الضغوط الإسرائيلية والتهديدات التي أطلقها عدد من المسؤولين في إسرائيل ضد مشروع قانون دبلن بدأت تتحول إلى حرب إسرائيلية على الإيرلنديين وأحزابهم وحكومتهم، وبدأت المؤسسات الصهيونية والإسرائيلية تنذر بشكل مباشر إيرلندا باحتمال تراجع استثمارات شركات كبيرة مثل «آبل» و«غوغل» و«مايكروسوفت» وغيرها من الشركات التكنولوجية التي تفضل الاستثمار في إيرلندا بسبب انخفاض الضرائب التي تفرضها الاستثمارات الأجنبية.
تحاول إسرائيل الآن تحريض الاتحاد الأوروبي ضد مشروع قرار دبلن، بحجة أن قوانين الاتحاد الأوروبي تتناقض مع قرار كهذا، كما أنها تحاول الضغط على الولايات المتحدة التي يحتفظ عدد لا بأس به من الأميركيين بأموالهم في بنوك إيرلندا التي نسبة استثمار الأميركيين فيها درجة أولى بالمقارنة مع غيرهم.
ورغم أن الأحزاب الإيرلندية تعرف بوجود مثل هذه الضغوط، إلا أنها استمرت في عملية فرض قانون دبلن، فهل تسمح بعض الدول العربية الغنية لنفسها بدعم إيرلندا ومساعدتها على تبني هذا القانون لمصلحة القضية الفلسطينية والقدس المحتلة والجولان العربي السوري المحتل؟! وهل ستناشد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الجامعة العربية لدعم إيرلندا ومساعدتها؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن