قضايا وآراء

انتهاكات الحرم القدسي توطئة للتهويد

| د. يوسف جاد الحق

ليس جديداً ما يجري في القدس وما حولها، وعلى سائر أرجاء الأرض الفلسطينية، فلقد شهدنا مثل هذا الإجرام الصهيوني على مدى عقود، منها ما سبق «أوسلو» سيئة الذكر، ومنها ما تلاها، غير أن الجديد المتجدد هو مواقف عرب وغير عرب من هذه الممارسات، نشير إلى نزر يسير منها فيما يلي:
1- هذا الصمت المطبق عربياً ودولياً حيال ما يجري، حتى حملات الإدانة والاستنكار التي ألفناها فيما مضى، ولم تكن تسفر عن شيء ذي جدوى، اختفت بقدرة قادر، أو بفعل أمر مباشر من الأسياد والأوصياء! وبات العرب وكأن الأمر لا يعنيهم، وكذلك المسلمون، وكأن هؤلاء وأولئك كفوا عن الإيمان بما جاءهم به القرآن الكريم حول الأقصى مسرى الرسول وأولى القبلتين.
2- موقف الغرب المنافق الساكت عن جنايات المستوطنين وحماتهم من السلطات الإسرائيلية حتى ليبدو الأمر وكأن هؤلاء «فوق القانون» بما في ذلك ما عرف بشرعة القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة نفسها، الضامنة لمبدأ «حرية العبادة» وحماية الأماكن المقدسة لسائر خلق اللـه على وجه الأرض، فهل الحالة العربية الفلسطينية استثناء أم إنها ذلك الجبن المتأصل لدى الغربيين إزاء الممارسات الإجرامية الصهيونية، الذي يعزى إلى ما عرف «بعقدة الذنب» تجاههم بسبب تلك الحكاية حول «الهولوكوست» وخشيتهم من دمغهم «باللاسامية» و«العنصرية» وما إليها من ابتكاراتهم ومبتدعاتهم.
3- هذا العدوان السافر الفاجر على المقدسات تحت عين السلطة هناك، فلا تحرك ساكناً، بل تمضي في تطبيق المهزلة المسماة «التنسيق الأمني» وهذه مسألة تحيّر الألباب، فكيف يمكن أن يكون مثل هذا قائماً، مع العدو أصلاً وما هو في جوهره سوى حماية أمن العدو، والحيلولة دون قيام انتفاضة، أو مقاومة لممارساته كائنة ما كانت، هل سمع أحد بمثل هذا في الأولين والآخرين؟ بل إن السلطة نفسها تتكفل بأمر هؤلاء المقاومين، «بتنسيق» وتعاون مع أجهزة أمن العدو، برعاية كل من الجنرال الأميركي كيث دايتون، وممثل الرباعية الأوروبية البريطاني توني بلير، أعدى أعداء العرب، إذ يكفي أن نذكر له شراكته مع جورج بوش في الحرب على العراق وما آلت إليه هناك حتى الآن.
4- إذا كان هذا الذي يقع في القدس على شراسته وفظاعته ليس من شأنه أن يحرك ساكناً عند من سلفت الإشارة إليهم جميعاً، فماذا عما آلت إليه فلسطين؟ هل معنى هذا أن العرب خاصة، والمسلمين عامة، سلموا بأن فلسطين لليهود وأنها «دولة يهودية» وانتهى الأمر، وكفى اللـه المؤمنين وغير المؤمنين القتال! أين منا حكايات التحرير من «النهر إلى البحر» أو بالعكس؟ هل كانت هذه مجرد شعارات استهلاكية تخديرية أطربت أسماعنا حيناً من الدهر، ثم أمست الآن من مخلفات الماضي بعد «أوسلو» العتيدة، ومفاوضات «السلام» البليدة، أي صفقات البيع والشراء كأي سلعة تجارية؟
جوهر المسألة إذن هو فلسطين كلها، وليس القدس وحدها، ما القدس غير المقدمة لما هو آت على العرب أيضاً وليس على الفلسطينيين وحدهم، وليتذكر هذا جيداً الأعراب المهرولون نحو العدو يعقدون معه الصداقة والتحالف ضد مصالحهم نفسها.
إن الأحداث الجارية اليوم على أرض فلسطين والمنطقة العربية، وبعض الإسلامية، تحت المسمى الكاذب الذي جاء به الصهيوني هنري ليفي، كفيلة إذا لم توقف عند حدها، بأن تنسي الناس ما جرى بالأمس، وما يجري اليوم سوف تنسيهم إياه أحداث الغد، وهكذا إلى أن نجد أنفسنا فجأة، وفي خضم الاحتدام المقصود هذا أمام إعلان ناجز حاسم عن «دولة اليهود» على أرض فلسطين، أمراً واقعاً يفرضه العدو كعهده دائماً، وهو مطمئن إلى أن أحداً لن يثنيه عن ذلك، فالعرب ليسوا في أحسن أحوالهم اليوم، والمجتمع الدولي متواطئ في المسألة برمتها من أساسها، ولعلنا نذكر أن العدو قام بإحراق المسجد الأقصى عام 1969 وقد ذهب الظن بالكثيرين يومئذ إلى أن نهاية إسرائيل قد دنت، فها هي قد اقترفت جناية عظمى سوف تدفع بالعرب، والمسلمين عامة، إلى إعلان نفير عام، وإشعال حرب ضروس عليها لا تبقي ولا تذر! بل أن هذا هو ما فكر فيه قادة «الكيان» أنفسهم، وعلى رأسهم رئيسة وزرائهم غولدا مائير، التي نقل عنها فيما بعد أنها لم تنم تلك الليلة حيث كانت تنتظر هبوب إعصار كاسح صبيحة اليوم التالي، ربما ينهي وجودها في المنطقة. وكم كانت دهشتها أن شيئاً من مخاوفها لم يقع، فاطمأنت منذ ذلك اليوم إلى أنها، وكيانها في وسعهم أن يهدموا الأقصى في المستقبل، ولن تكون ردة الفعل أكثر من أصوات تتعالى هنا وهناك تحملها موجات الأثير، من دون أن تعني شيئاً على أرض الواقع.
غير أننا، على الرغم من هذا، نوقن بأن جمهرة الشعب الفلسطيني اليوم، ومن هم معه في خندق مواجهة العدو: سورية وإيران والمقاومة في لبنان وفلسطين، لهم من الإرادة والعزم على المواجهة والتصدي إلى ما لا نهاية لمخططات العدو ومؤامراته وممارساته أياً ما تكون، وسنظل كذلك إلى أن يأتي اليوم الموعود، يوم نهاية الكيان الغاصب وزواله عن أرضنا، وعودة الحق إلى أصحابه، عودة فلسطين إلى أهلها وعودة أهلها إليها، ذلك اليوم يرونه بعيداً، ونراه قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن