قضايا وآراء

«شرف الوثبة أن ترضي العلا»

| مصطفى محمود النعسان

لو كان متاحاً للدول الخليجية استضافة بطولة أولمبياد طوكيو لذوي الاحتياجات الخاصة التي كان مقرراً أن تقام في ماليزيا أواخر تموز وأوائل آب لسارعت قبل غيرها وذلك بعد أن جردت ماليزيا من حق تنظيم البطولة بسبب رفضها القاطع مشاركة «إسرائيل» فيها.
وبدلاً من أن تكون الدول الخليجية بإمكاناتها المادية الضخمة والهائلة معادلاً موضوعياً ونافذاً تمنع وتحجب وتواجه التمدد والسيطرة الصهيونية في الأندية والهيئات والمؤسسات الدولية، وتقف في وجه هذه السيطرة والنفوذ نصرة للحق الفلسطيني خاصة، والعربي عامة، نراها تتسابق في الهرولة نحو التطبيع مع هذا الكيان الإجرامي، وتستقبل كبار مسؤوليه ووفوده السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والرياضية على أراضيها متباهية بذلك، ما يعني أنها تعيش عصر انقلاب المفاهيم وتزوير القيم وهذا أخطر الخطر، ذلك أنه تنطبق على الناس وعلى الأخص نخبها الرفيعة مقولة «إذا لم تستح فافعل ما شئت» وتلك بحق مصيبة المصائب.
ماليزيا ليست غافلة عما سيحدث وكانت تتوقع أن تسحب البطولة منها وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء مهاتير محمد بقوله في الحادي عشر من كانون الثاني الجاري: إذا أرادت الجهات المنظمة للبطولة سحب حق الاستضافة من ماليزيا فيمكنها فعل ذلك.
إن قوة ونفوذ اللوبي الصهيوني و«إسرائيل» لا تخفيان على أحد، هذا أحد وجهي الحقيقة، أما وجهها الآخر فإن هذا النفوذ ما كان ليكون ويأخذ كل هذه المفاعيل لولا التخاذل الخليجي، لأن إمكانات الأخير المادية قد تفوق إمكانات الصهاينة وربما تتفوق عليها، وللتدليل على ذلك يكفي أن نعلم أنه في حرب الخليج الأولى انتقل ستمئة مليار دولار من أيدي الخليجيين إلى أيدي الغرب وانتقل مثلها في حرب الخليج الثانية، وهذا ترامب يجاهر بحبه للسعودية وحبه لترليوناتها ولم يستح بتشبيهها بالبقرة الحلوب طمعاً في استنزاف مواردها وتسخيرها لمصلحة بلاده الداعم الأول والأقوى لـ«إسرائيل» وللصهيونية.
أمر مؤسف حقاً أن تكون الإمكانات الخليجية بشكل أو بآخر تحت تصرف اللوبي الصهيوني وخادماً له، لذلك ليس غريباً أن يتداعى ما يقرب من ثمانين دولة على سورية محاولة إخضاعها وتركيعها وسلبها قرارها الوطني المستقل وجعلها تسير في ركاب تلك الدول وتستسلم للقرار الصهيوني، وليس غريباً الاعتداءات المتكررة التي شنتها أميركا وفرنسا وبريطانيا وشنها ويشنها الكيان الإسرائيلي على سورية من وقت لآخر.
إن من يستند إلى تأييد شعبه فإنه لابد منتصر ولو تكالبت عليه الدول والأمم، وهذا حالنا في سورية وهذا حال نظام الحكم في فنزويلا حيث انتصر الرئيس نيكولاس مادورو على مؤامرة واشنطن نتيجة مواقفه المستقلة والمناهضة للإمبريالية والصهيونية.
رحم اللـه الرئيس الراحل حافظ الأسد حيث قال: قوتان لا تقهران قوة اللـه وقوة الشعب.
والحق أنه لولا التأييد الشعبي الواسع والضخم لمهاتير محمد لأطاحت به الصهيونية منذ زمن، لأن مواقفه كما مواقف الرئيس بشار الأسد ونيكولاس مادورو، نبيلة ومشرفة ومستقلة لا ترتهن للقرار الأجنبي ولا تخضع للضغوط ولا تعبر إلا عن إرادة الشعب ولا تجسد إلا رغباته وأمانيه، صحيح أن الخونة والعملاء كثر والشرفاء قلة، وصحيح أن الزمان يكون لمصلحة الخونة في بعض الأحيان، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وفواتير الصمود والشموخ مهما غلت وارتفعت تبقى أقل بكثير من فواتير الاستسلام والخنوع، ويبقى الإنسان أولاً وأخيراً يجسد مبدأ، وموقفاً، ويكفي مهاتير محمد شرفاً عندما قال: «إن «إسرائيل» خارجة عن القانون ومن واجبنا ألا نظهر المودة لها»، ويكفي أنه منعها من المشاركة في البطولة على أراضيه وصدق من قال:
شرف الوثبة أن ترضي العلا.. غلب الواثب أم لم يغلب

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن