قضايا وآراء

«أضنة».. أبواب نصف مغلقة

| سيلفا رزوق

أفرجت موسكو عن ملامح رؤيتها لحل ما يمكن تسميته معضلة الشمال، وأعلن سيرغي لافروف صراحة أن بلاده تعتبر أنه من الممكن أن تستخدم تركيا وسورية «اتفاقية أضنة» لتوفير الأمن على الحدود المشتركة، في أول تلميح روسي لإمكانية إحداث خرق على خط التواصل بين البلدين.
«اتفاقية أضنة» التي تصدرت العناوين على حين غرة، ونالت حصتها من التحليل والتأويل السياسي، يبدو أنها ستشكل أول ملامح الحل السوري شمالا، مع تمكنها من الإجابة عن الأسئلة الأكثر إلحاحاً لجهة تثبيت أحقية الدولة السورية في استعادة كامل سيادتها على أراضيها، والابتعاد تدريجياً عن مفهوم «المنطقة الآمنة» الذي سعى ولا يزال الطرف التركي لتثبيته كأحد العناوين الملحة لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي.
الحديث الروسي الذي بدا وكأنه يصب الماء البارد على نار الحمق التركي، الطامح بقوة لاستثمار المعطيات التي قدمتها له واشنطن، وتغيير قواعد الاشتباك شرق الفرات على النحو الذي شهدته عفرين، تزامن مع وصول المزيد من التعزيزات العسكرية إلى تخوم إدلب، مع التذكير بسيطرة «جبهة النصرة» شبه الكاملة على المنطقة، وتصريحات علنية بفشل تركيا بتطبيق ما تعهدت به، وصولاً للتحضير لبدء العملية العسكرية السورية، التي يبدو أنها ستنتظر القليل من الوقت الذي ستعطيه «أستانا» كفرصة أخيرة لترتيب الوضع مع أنقرة.
التحشيد السياسي والإعلامي، وكما تقدم المعطيات الواردة من موسكو، تتجه وبكل قوتها صوب إيجاد تصور نهائي للحل في مناطق الشمال على ما تحمله من تعقيدات، لكن وضوح التصور ووضوح آلياته دونه وكما يظهر حتى اللحظة كم هائل من المتناقضات، يشكل الطرف التركي العامل المحرك لها.
على الطرف المقابل بدأت وعلى نحو سريع تتضح ملامح المرحلة التالية لانسحاب أميركا من سورية، مع الإعلان الأميركي الواضح بالذهاب في خيارات فرض المزيد من العقوبات وتشديد الحصار على السوريين، في استدراج معلن لسيناريوهات فنزويلا وكوبا وإيران وغيرها، إضافة إلى حملة التهويل من عودة «داعش» وما سيعنيه لاحقاً من دعم «لعملياتها» في سبيل إنهاك الخاصرة السورية الشرقية في معارك لا تنتهي.
ومع التفات دمشق ومعها حلفاؤها للمخطط الأميركي الجدي، بدا من الملحّ تسريع الخطوات الميدانية والسياسية، تمهيداً لقطع الطريق والتفرغ لمرحلة سياسية قادمة لا تبدو أقل خطورة مما مر على السوريين حتى الآن.
الخطوة الأكثر إلحاحا وكما تشير جميع المعطيات تتجه صوب الملف الأسخن في إدلب، الذي ستشكل نتائج «فكفكته» وطريقة التعاطي معه، المقدمات الأساسية لخطوة الحل التالية في مناطق شرق الفرات، على اعتبار أنه الملف الأكثر تعقيداً، والأكثر تشابكاً لجهة المصالح الإقليمية، وتداعيات القضاء على أكبر بؤر الإرهاب شمالاً، سترخي بظلالها سريعاً على «اتفاق أضنة» وتسهم في تطبيقه على النحو الذي فرضته بنوده وليس الذي تسوق له أنقرة.
الذهاب في حسم وجود «النصرة» شمالاً، لا يعني إغفال الحوار مع الطرف الكردي، الذي ما زال حتى اللحظة يراهن على واشنطن، معلناً تعاميه عن المتغيرات التي ينبغي إدراكها سريعاً وفهم مؤشراتها، التي لن تسمح بأي حال من الأحوال باستمرار الوضع على ما هو عليه، ليكون الحوار مع دمشق المخرج الأكثر أمناً والأكثر واقعية، بعيداً عن الأوهام الأميركية التي لم تجلب غير الخراب حتى للمتحالفين معها.
إقفال ملف «الشمال» وعلى تعقيداته بدأ يلوح في الأفق، والحلول الإجرائية التي تفرضها طبيعة المعركة وحجم التهديد، لا تعني بأي شكل من الأشكال التخلي عن الثوابت السورية، لكن للسياسية أحوالها، وسنوات الحرب الثماني كانت كفيلة بالتدليل على حجم مهارة اللاعب السوري وقدرته على استثمار جميع المتغيرات، وتقديم الأوراق الضرورية لمن يريد النزول عن الشجرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن