علمني مخرج سينمائي أرجنتيني حيلة صغيرة حين كنا نعمل في شركة إنتاج سينمائي ومسرحي في بريطانيا. كان أسلوب الشركة يقوم على إنتاج مقاطع ترويجية لأعمالها التي تفكر بإطلاقها لكن بروح ابتكارية، تصل حد تحول المقطع لعمل خاص بذاته. كانت مهمات ابتكار وإخراج هذه المقاطع تدور علينا في هذا القسم، لذا فإن التنويع في الأفكار والإيقاع والتنفيذ كان أساسيا، خوفا من الانصياع للسهولة والروتين.
كان لدى زميلي الذي أصبح صديقا طويل الأمد، طريقة بسيطة ولكنها تستند إلى ثقافة موسيقية غزيرة. فأساس أي مقطع سينتجه كانت الموسيقا، لذا بمجرد تكليفه بمهمة، يعود لذاكرته الغنية بحثاً عن موسيقا يشعر أنها تنسجم مع الفكرة المطلوبة، ولاحقا يسند كل إيقاع المنتج السينمائي أو التلفزيوني إلى هذه المقطوعة، فتكون المحرك الخفي للعالم الظاهر الذي ستعكسه الشاشة للجمهور. تطبيق هذه القاعدة على مهمة كتابة زاوية أسبوعية، لا ينجح دوماً، لذلك، من الحيل البريئة حين لا تتوافر فكرة ملحة، أو قضية تسمح الظروف بفتح صفحاتها للنقاش، فإن التفكير بعنوان والبناء تحته، بعكس الطريقة التقليدية للكتابة يكون نافعاً، ولاسيما إن كان من العناوين التي تكتشف بمجرد التعلق به. إنه موضوع راج الحديث عنه في المنتديات، وفي المواقع الإلكترونية، وعلى صفحات التواصل، وتدرج من الغوص في عالم الماورائيات، إلى البحث الأكاديمي في الكتب المقدسة، من دون نسيان دراسات الطب النفسي والاجتماعي، مروراً بمقالات النقد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، التي تندرج كلها تحت العنوان ذاته، المؤلف من كلمتين، وهما صناعة التفاؤل.
فالحديث عن التفاؤل، مثير وجذاب، لدرجة أن الدعاة الإسلاميين في دول الخليج خصصوا له حلقات، وإن حصروه طبعاً بين مفهومي الجنة والنار، علماً أن التشاؤم ليس شراً بمجمله، وأحياناً يكون أكثر نفعاً من نقيضه، وأنا هنا لا أتحدث عن كأس آسيا لكرة القدم، وإنما من باب الإشارة إلى مفهومي التشاؤم والتفاؤل.
علماً أنك حين تجمع هاتين الكلمتين في محرك البحث غوغل، أو تطلبهما من مساعدك الشخصي الإلكتروني «سيري» في هاتف آبل، فإنه سرعان ما سيجد لك عشرات المقالات، عن هذين المفهومين مجتمعين، ولكن من دون بهجة اكتشاف، إذ أغلبيتها تركز على وضعنا السوري، سواء كتبت بأقلام محبين أم غيرهم.
ثم يأتي الاستسهال، فصناعة التفاؤل تدخل اختصاص مراقبي نجومنا الفلكية والأقمار الدائرة في فلكها، لذا يمكن إيجاد نصائح من بنود متعددة على صفحات المنجمين، ومن يدور في فلكهم، وهؤلاء يقومون أحياناً بدور المرشدين النفسيين، وبالمناسبة هذا مصدر رزق في دول أوروبية عديدة، ويعلقون لافتات تشجع الناس للدخول ودفع قدر من المال، مقابل تعلم طرق التفاؤل الأنسب والأنجع للعيش، وتأتي تلك ضمن حزمة من النصائح، من بينها: الابتعاد عن المتشائمين من حولك، بمن فيهم أفراد عائلتك، وعدّ إيجابيات حياتك قبل النوم، وتغيير روتينك اليومي، وممارسة رياضات روحية، والعمل على إسعاد من حولك، والبحث عن الإيجابي في كل أمر مهما بلغ من السوء.
المهم، أنه بعد هذه الجولة، في أفق هذا العنوان، أجد أن كل ما يقال عن صناعة التفاؤل قد قيل، من قبل وبطرق شتى مختلفة. أضيف بتواضع شديد أمراً واحداً فقط، التخطيط الجيد هو أفضل طريقة لتحقيق هذا الغرض. والله من راء القصد.