قضايا وآراء

ماكرون هروب من الأزمة إلى الخارج وفشل باستعادة النفوذ الضائع

| د. قحطان السيوفي

بعد مرور أقل من عامين على انتخابه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه مشاكل كبيرة. فهو شخص لديه ميل للأحكام غير الصائبة، مع عجز مزمن في اختيار النغمة الصحيحة. إخفاقه في معالجة الأزمة الداخلية دفعه للهروب إلى الأمام باتجاه أوروبا والخارج. ماكرون الذي صعد على أنقاض الأحزاب الفرنسية التقليدية ؛ ليس في وضع جيد، فهو لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل، ويواجه برنامجه الإصلاحي مقاومة قوية.. خاصة من متظاهري السترات الصفراء، الذين خرجوا محتجين على سياساته، كان كلامه عنهم وكأنه ازدراء لهمومهم الأكثر واقعية.
العديد من المراقبين يرون أنه ليس من السابق لأوانه الاستنتاج أننا نطالع رئاسة فرنسية فاشلة ليس أمامها وقت لتصحيح أخطائها الكثيرة.
عام 2019 سيكون عام القرارات المهمة للاتحاد الأوروبي، أهمها الانتخابات البرلمانية الأوروبية في أيار، وما يترتب عليها بشأن الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي.
سيكون عام المنافسة بين قوى سياسة مؤيدة للتكامل الأوروبي، وقوى القومية المناهضة له.
إيمانويل ماكرون، يحاول أن يُطلق حملة برؤية اتحادية لمستقبل الاتحاد الأوروبي. ولم يتمكن، حتى الآن، من توفير أي حشد للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلف أفكاره التي يسميها إصلاحية.
لقد أكد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مقولة أن التفكك أصعب من التكامل. بالمقابل قدرة الاتحاد الأوروبي على الاعتماد على الولايات المتحدة في الدفاع في طريقها إلى التلاشي، وربما تكون استقالة جيم ماتيس من منصب وزير الدفاع في الولايات المتحدة مؤشرا لذلك.
صدام بين ماكرون وسالفيني يحسم اتجاه بوصلة أوروبا. ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، وهو مناهض متشدد للتكامل الأوروبي. إيمانويل ماكرون، أكثر الرؤساء الفرنسيين تأييدا للتكامل الأوروبي.
بدأ سالفيني في استهداف ماكرون على أنه عدوه اللدود فيها، وفيما يبدو أن الرئيس ماكرون قد رمى بالقفاز وقبل التحدي. ما جعل الانتخابات الأوروبية أحد الأحداث السياسية المحورية عام 2019.
ماكرون اليوم أصبح بلا حليف. المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، كانت دائماً ترفض تشكيل تحالف سياسي قوي مع الرئيس ماكرون، الذي يواجه صعوبة في خططه الأوروبية، يجري التصدي لها ليس من أعدائه الوطنيين، بل من أصدقائه المؤيدين للتكامل الأوروبي في كل من برلين ولاهاي، وهو يشعر أن طموحاته في إصلاح منطقة اليورو تتعرض للإحباط.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن حركة السترات الصفراء، أحدثت ضرراً بالغاً في صورة ماكرون المُنهَكة، وهددت برنامجه للإصلاح الاقتصادي ومصداقيته.
ماكرون يعتقد واهما أنه بدأ معالجة الأزمة عندما وافق على دعم مالي تقديري لاسترضاء المتظاهرين ذوي السترات الصفراء.
إذا وافق الرئيس الفرنسي على تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق لنزع فتيل الأزمة، فمن الممكن أن تخالف فرنسا قواعد المالية في الاتحاد الأوروبي.
في وقت يوجه سالفيني ضربة قاضية إلى ماكرون في الانتخابات الأوروبية.
زيارات الرئيس ماكرون الأخيرة للصين محاولة للظهور على المسرح الدولي.
لقد أخبر مضيفه، الرئيس تشي جين بينج، بأن أوروبا في طريقها للعودة إلى استعادة دورها الرائد، عالمياً. وهو يعني بكلمة «أوروبا» بلده فرنسا.
سواء كان الأمر مع دونالد ترمب أم فلاديمير بوتين أو تشي، فإن ماكرون يحاول أن يرفع علما أوروبيا لتسويق المصالح الوطنية لفرنسا.
جاء ماكرون بعد الرئيس ساركوزي فائق النشاط، الرئيس فرانسوا أولاند عديم النشاط. يعتقد ماكرون، الأرجح أنه واهم، أن لديه تفويضا لإجراء تغيير، لتحقيق ثورة التحديث التي لم يتمكن ساركوزي من إتمامها.
بالمقابل جاءت انتقادات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لماكرون على خلفية طرح ماكرون معاداته للشعبوية، وحول الجيش الأوروبي، والتعريفة الجمركية الفرنسية على واردات النبيذ الأميركي، بالإضافة إلى ضعف شعبية الرئيس الفرنسي..
غرد ترامب مُنتقداً ماكرون وزاعما أن (شوارع باريس تهتف باسم ترامب).
حدّة التصريحات المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمسؤولين الفرنسيين، شهدت ارتفاعاً، فقد بدا من اللافت مشاركة مستشار ترامب السابق ستيف بانون في اللقاء مع لوبن، حيث اعتبر أن محتجّي «السترات الصفراء» هم «بالضبط نوعية الأشخاص نفسها الذين صوّتوا لمصلحة الرئيس الأميركي… ».
لا حل في الأفق للأزمة التي تعيشها فرنسا. تظاهرات «السترات الصفراء» تتسع… وليس لدى الرئيس ماكرون أي خطة لاحتواء التحرّك أو لردعه.
وزير المالية الفرنسي (برونو لومير) حذّر من التظاهرات «كارثة بالنسبة للتجارة وكارثة على اقتصادنا». الوزير تحدّث عن أزمة بوجوه ثلاثة، «أزمة اجتماعية» و«أزمة ديمقراطية» و«أزمة أمة» في مواجهة انقسامات كبيرة.
بالمقابل استهدفت هتافات المتظاهرين ماكرون بشعار (ماكرون استقل) المشهد يشير إلى أن فرنسا دخلت رهانا غير متوقع في اختيارها لماكرون.
يرجح متابعون للشأن الفرنسي أن الأزمة الحالية التي أعادت إلى الأذهان مشاهد عنف لم تشهدها فرنسا منذ ستينيات القرن الماضي، لن تنتهي تداعياتها ولو استطاع ماكرون نزع فتيل الأزمة. استمرار ظهور «السترات الصفراء يشير إلى أن التمثيل التقليدي إخفاق في احتواء مسببات السخط الاجتماعي.
كلما تراجعت شعبية ماكرون شعر خصومه بالثقة في إمكانية تقويض سياساته.
ومع مرور الوقت، فإن تراجع شعبية الحكومة ومستويات النمو الاقتصادي المتواضعة، والاحتجاجات الاجتماعية واشتداد المعارضة، سيزيد من الصعوبات التي تواجه الرئيس الفرنسي. التحدي الكبير هو إصلاح معاشات الدولة، التي تمس قطاعات عريضة من المجتمع الفرنسي، ما سيولد مقاومة قوية ويخلق ظروفا مواتية لمزيد من الاحتجاجات.
سيحاول خصوم فرنسا الاستفادة من الاضطرابات الاجتماعية وضعف ماكرون الداخلي، والتحديات السياسية ستبطئ وتيرة الإصلاحات المالية وتضع حداً لطموحات ماكرون.
هناك تهديد حقيقي لفرص ماكرون في إعادة انتخابه، ما يفتح الباب أمام الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية لتحسين أدائها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ماكرون يحاول الهروب من الأزمة الداخلية إلى أوروبا والعالم. على صعيد الشرق الأوسط. ماكرون يحاول، يائسا، استعادة بعض أمجاد إمبراطورية فرنسا البائدة… ويرسل قواته إلى شمال سورية… تصريحات ماكرون من القاهرة عن الأزمة السورية، تعكس مدى شعوره بمرارة الهزيمة بفشل المشروع التآمري على سورية وغسل يديه من الدماء التي سفكت في سورية جراء سياسة ماكرون التخريبية مع حلفائه الإقليميين من ممولي وداعمي الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن