اقتصاد

حراس التنمية

| علي محمود هاشم

التنمية مُلكية سورية!.. في الحقيقة، لا يصدف المرء هذا العيار من المفاهيم المفصلية كل يوم، فبعبقريته، وما يختزنه من مخاوف أيضاً، يكاد يقول بلا مواربة: نحن وحدنا في جزء من الطريق، بل هكذا يجب أن نكون ما دمنا ارتأينا الحفاظ على استقلالنا! في المختصر، أنه تجلٍّ للموازين المرهفة التي لرجحان إحدى كفتيها أن يؤسس لخلل مديد يتهدد كياننا على الأمد البعيد.
على خطا أدبيات «الحل السياسي» السوري، أدخل «البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الأزمة» الذي عقد مطلع الأسبوع الجاري، بمفرداته التوجيهية حتى عام 2030، اشتراطاً خاصاً للتنمية الوطنية على اعتبارها «ملكية سورية» أولاً.
في مرادفاتها القاموسية، تقول «ملكية التنمية»: على الرغم من تعدد الأشقاء والأصدقاء، ففي الواقع ليس لأي منا التجاهل بأن الجزء الأعظم من طريقنا التنموي سيتوجب سلكه بمسؤولية سورية محضة.
ثمة تداخل مرهف لكلا المستقبلين التنموي والسياسي، ففي مكان ما، حتى الحل السياسي القائم على «قيادة وملكية سورية» استندت إلى سيادة تم نحتها بأثمان باهظة من صمود الدم مقابل الاستسلام، فغالباً ما سيتم إنفاقها تباعاً وعلى مراحل زمنية متواترة ما لم تلحق بها، وتوازيها تنمية «بملكية سورية» أيضاً.
على هذا المنوال يمكن لنا ويجب علينا فهم مقولة: ما لم يأخذوه بالإرهاب فلن يأخذوه بالاقتصاد.
«ملكية التنمية السورية»، هذا التعبير الذي يحاكي شغاف المخاوف الوطنية المغلفة بانتقادات ما دام نالها أداء الحكومات المتعاقبة خلال سنوات الحرب على سورية وصولاً إلى ما قبل أيام قليلة، إنما يؤسس لصون حقوق أنسال الدماء الزكية التي أرهقت لقاء «ملكية الحل السياسي»، فما لم تكن «التنمية بملكية سورية»، فسرعان ما ستقهقر خلفها السيادة بشكل متمرحل يتغذى من ضرورات طارئة في حينها.. ورويداً رويداً، ودون تخطيط إرادي، غالباً ما سيتم إنفاق «الاستقلال» على دفعات صغيرة غداً وبعد غد، وبعوائد أقل بكثير من تلك التي كان ليمكننا الحصول عليها من الاستسلام دفعة واحدة، اليوم!.
بطبيعة الحال، الملكية السورية للتنمية خيار محسوم وطنياً منذ عقود، طريقنا إلى هناك ذو اتجاه واحد ويتطلب منا الذهاب إلى نصب الكمائن الحيوية دفاعاً عن المستقبل لا إتخامه بالإشارات الضوئية، يتطلب الأمر أيضاً تعزيز تغذيته بعوامل الاستمرار عبر رؤى واضحة تهاجر من أرخبيلنا الشاحب من الأفكار والمقترحات «التنموية» القائمة، وتقاطع نومه الهانئ في غابة موحشة من ظلال الحلول لظلال المشكلات، نحو قواعد تنموية مترابطة الجسور والمسارات بما لا يدع مجالا لتضاربها أو تنافسها أو التسلل من فتحاتها الفرعية مستقبلاً.
ومع هذا وذاك، يتطلب الأمر تخلينا عن مؤسستنا المجيدة الخاصة بـ«خدمة الشعارات الآنية» التي تتناسل أقاويل من قبيل: «الحرب الاقتصادية بدأت» و«الظروف الاستثنائية التي لم تتعرض لها حكومة أخرى».. ففي الواقع، تعرضت مئات الحكومات لما تعرضناه، وفي الواقع أيضاً: انهزمت الحرب بحق، وما نشهده اليوم ليس سوى «الدستة» المعهودة من الحرتقات التي عادة ما تلي هزائم الغرب، وهي –للمفارقة- نص «قياسي» حاول المهزومون تطبيقة مئات المرات في مئات المطارح، وأفلحوا فقط حين لم يؤمن المنتصرون بأن التنمية «ملكية وطنية» يجب الإقباض عليها برغم جمرها المتقد، تاركين مجتمعاتهم نهبى للمخاوف الداخلية والخارجية بعدما عقد استخفافهم تحالفاً كئيباً مع القدرات الضحلة، فباتوا جميعاً حراساً كهولاً للمقبرة التنموية؟
دون الكثير من الضجيج والتهكم، ليس لدينا اليوم أي من المظاهر التنموية ولا من تلاويحها، ما لدينا مجرد إخفاق في إدارة الفشل، بدءاً بمعالجة اختلالات الاقتصاد الوطني وتحولاته البنيوية، والركود التضخمي وأزماته النقدية، وعدالة توزيع عوائد النمو الشحيحة، وهواية مرضية في تعزيز مصادر الدخل وفق مذهب «طوشة عرب» عادة ما تنتهي بهزيمة أقسى.. وصولاً إلى «العجلة المنفّسة» للصناعة والزراعة والتصدير.
إذا كان بعض ذلك مسوغاً تبعاً لمنعكسات الحرب، فبعضه الآخر مجرد نتيجة لإصابة مؤسستنا الاقتصادية والإدارية بدوار الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن