قضايا وآراء

انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية وإسرائيل وأوروبا

| تحسين الحلبي

في الأول من شهر شباط الجاري أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الانسحاب من الاتفاقية التي وقعتها الإدارة الأميركية مع الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف عام 1987 لإيقاف إنتاج الصواريخ المتوسطة المدى ورد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذا القرار بتجميد العمل بموجب هذا الاتفاق ما دام الرئيس الأميركي أعلن خرقه وانسحابه منه بشكل أحادي.
وتعليقاً على ما حصل قبل أيام أشار عدد من المحللين المختصين بالشؤون النووية بين الدولتين روسيا والولايات المتحدة أن «الرابح الأكبر منها هو روسيا» وأن هناك ثلاث نتائج سيولدها إيقاف الالتزام بهذه الاتفاقية التي تحمل اختصاراً اسم «آي إن إف» أي «معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى» هي:
أن انسحاب واشنطن من الاتفاقية سيجعل أوروبا أكثر ضعفاً.
أن الصناعات الأميركية العسكرية المتخصصة بهذه التقنية للصواريخ المتوسطة المدى وخصوصاً شركة صناعات «لوكهيد مارتين» هي التي ستستفيد من سباق التسلح النووي الذي سيحدث بعد انسحاب واشنطن من هذه الاتفاقية.
أن روسيا أنهت وجود 1800 صاروخ من هذا المستوى مقابل 800 أنهت وجودها الولايات المتحدة، لكن روسيا بعد تطور قدرتها الصاروخية والنووية ذات المدى المتوسط ستصبح هي الرابح لأنها ستنشر عدداً من هذه الصواريخ في أوروبا للدفاع عن نفسها من أي عدوان أميركي، وما دامت الولايات المتحدة بعيدة عن روسيا فإنها ستعمل على نشر صواريخ من هذا النوع في أوروبا، على حين الدول الأوروبية لم تعد تقبل بمثل هذا الانتشار النووي الأميركي وهي أي أوروبا تطالب بالتخلص من كل ترسانة القنابل النووية الأميركية الموجودة باسم حلف الأطلسي في أوروبا في كل من ألمانيا وتركيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا، بل ستعمل أوروبا في المستقبل القريب على نزع كل الأسلحة النووية من أراضيها وقد تصل إلى توافق بموجب ما يراه بعض المحللين مع روسيا في هذا الموضوع الذي لا يتفق مع السياسة العدوانية المتصاعدة في العالم.
دول أوروبا شعرت منذ التوقيع على هذه الاتفاقية عام 1987 أن الطريق أصبح مفتوحاً أمام التمهيد لنهاية الحرب الباردة بين كتلة الدول السوفياتية والغرب، وهو ما جرى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 واختفاء مظاهر الحرب الباردة، لكن انسحاب ترامب من هذه الاتفاقية سيعيد أوروبا إلى نوع جديد من الحرب الباردة بوجود قوتين عظميين هما روسيا والصين وقوة عظمى أميركية، بينما تكون أوروبا في وضع من يسعى إلى تمتين دوره بين عالم متعدد الأقطاب، وبالمقابل أصبحت الصين بعد مرور أكثر من 30 عاماً على هذه الاتفاقية بين موسكو وواشنطن فقط دولة نووية تمتلك صواريخ بمدى 500 كلم متوسطة الحجم النووي ولا تلزمها هذه الاتفاقية، ولذلك أصبح العالم متعدداً في الأقطاب النووية الأكثر تطوراً في هذا النوع من الأسلحة وخصوصاً بعد أن أعلن بوتين في آذار من العام الماضي عن أحدث وأكثر الصواريخ الروسية تطوراً إلى حد قال فيه إن هذه النوعية غير قابلة للصد وقادرة على الوصول إلى أهدافها بدقة، ورأى المحللون في قناة «سي بي إس» الأميركية أن إسرائيل ستكون من بين من سوف يخسر قيمة القوة النووية التي ساعدتها منذ الستينيات، لأن تطور الصواريخ الروسية وقدراتها النووية يتفوق على القدرات الأميركية، وهذا ما جعل أحد المحللين الإسرائيليين يقول إن «مستقبلاً أكثر ظلمة وتعقيداً ستشهده إسرائيل في موضوع قوتها النووية وأن هامش الردع الذي تعول عليه من خلالها سيضيق كثيراً أمام تطور الردع النووي الروسي وقدراته على حماية حلفائه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن