قضايا وآراء

العد التنازلي لرئاسة ترامب

| تحسين الحلبي

لم يحمل خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب «للأمة» في هذا العام شيئاً جديداً أو مهماً تضعه الدول والقوى على جدول عملها في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، ويبدو أن ترامب أراد من خلال خطابه هذا استجداء الكونغرس الأميركي ودفعه إلى عدم البحث عن طرق تدينه وتفرض إقالته أو استقالته، فقد استهل الدقائق العشر الأولى من خطابه بتقديم ما يشبه رسالة يدعو فيها الديمقراطيين وغيرهم من الجمهوريين الذين يستهدفونه إلى هدنة وتوافق حين قال: «إذا كنا سنشهد مرحلة سلام وتشريع فلا يمكن أن تقوموا بشن حرب، إنها لن تفيد بهذه الطريقة» فهو يدرك أن المسؤول عن التحقيق في موضوع علاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل الانتخابات الأميركية وأثناء حملتها بموجب الاتهامات الموجهة له وهو روبرت مويلير، الذي ما زال يجمع معلومات قيل إنها تزداد عما يقدمه في الاستجواب عدد من مساعدي ترامب وخصوصاً محاميه مايكيل كوهين و رئيس حملته الانتخابية بول مانافورت، وكان ترامب واضحاً حين قال في خطابه «أدعوكم إلى إنهاء سياسة الانتقام وسياسة الاعتراض والمعاقبة».
تؤكد صحف أميركية وأخرى بريطانية ومنها «ديلي ميل» أن ترامب أراد من خطابه الذي دام ساعة و25 دقيقة توظيف العاطفة القومية الأميركية حين تطرق بأسلوب «شعبوي» للانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية، واستعرض فيها بعض بطولات الأميركيين ثم انتقل بعدها لتوظيف النفوذ الصهيوني والإسرائيلي ومنظمة «إيباك» الصهيونية الأميركية للدفاع عنه حين ذكر في خطابه منحه القدس عاصمة لإسرائيل وحين تحدث عن «يهودا» الذي أنقذته القوات الأميركية من «المحرقة»، بموجب وصفه كان يقدم «فاتورة» لإسرائيل وهو الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين بسلاح الجو الأميركي في سورية والعراق واليمن باسم «محاربة الإرهاب».
كان ترامب نفسه قد استخدم اصطلاح «الحرب الصليبية» حين تطرق في حزيران من العام الماضي إلى الانتصار الأميركي في الحرب العالمية الثانية حين قال: «إن ذلك الانتصار عام 1945 أصبح بداية الحرب الصليبية، وهو الوصف الذي أعلنه الجنرال الأميركي دوايت أيزنهاور حين قامت القوات الأميركية بتحرير دول أوروبا من الاحتلال الألماني».
لاشك أن معظم الدول العربية المتحالفة مع واشنطن تدرك هذه الحقائق عن الإدارات الأميركية، لكنها قدمت لإدارة ترامب ما لم تقدمه لأي إدارات سابقة على حين أن ترامب اعترف بالقدس بكل مواقعها الإسلامية والمسيحية جزءاً من الكيان الإسرائيلي وعاصمة له، وهذا ما لم تجرؤ أي إدارة سابقة على القيام به.
مجلس النواب الأميركي والكونغرس كانا قد صدقا قرارات تطالب بمعاقبة كل دولة عربية توافق على مقاطعة إسرائيل وتتعامل مع المنظمات غير الحكومية الأميركية والأوروبية التي تفرض المقاطعة على المنتجات الإسرائيلية التي تصدرها المستوطنات في الجولان العربي السوري المحتل والضفة الغربية، وخطاب ترامب إلى الأمة الأميركية الذي ألقاه أمس تضمن كل ما يدعم إسرائيل وحروبها على الشعب الفلسطيني وكل أشكال الحرب الأميركية على سورية وإيران وحزب الله وكل من يتحالف مع هذه الدول في مناهضة الهيمنة الأميركية في المنطقة.
يبدو أن ما يتعرض له ترامب من تحقيق واتهامات أصبح أوراقاً بأيدي النفوذ الصهيوني والإسرائيلي يراد بعد هذا الخطاب استخدامها لفرض صفقة ترامب الشهيرة باسم «صفقة القرن» ولذلك كشف بعض المحللين في إسرائيل أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو طلب من ترامب انتظار انتهاء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية للانتقال بعد ذلك إلى فرض هذه الصفقة التي يراد منها تصفية كل ما بقي من حقوق الشعب الفلسطيني، ولهذا السبب تمارس المنظمة الصهيونية «إيباك» في الولايات المتحدة ضغوطاً على روبرت مويلير بعدم تقديم لائحة اتهام ضد ترامب إلا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية والبدء بفرض ترتيبات «صفقة القرن» لأن التعجيل بالمطالبة باستجواب ترامب والانتقال إلى فرض الاستقالة عليه سيعرقل إمكانية تنفيذه لصفقة القرن هذه.
وبالمقابل يعد الفلسطينيون وكل من يدعمهم من أطراف محور المقاومة أنفسهم بإسقاط هذه الصفقة التي يرفضها جميع الفلسطينيين وفصائل المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن