ترسم الولايات المتحدة عبر العقوبات على سورية مشهداً مختلفاً نوعاً ما، فالمسألة بالنسبة لها خلق نموذج معزول دولياً ويصعب التعامل معه من دون تحول عميق في البنية الداخلية السورية، فواشنطن تجعل من الجغرافية السورية منطقة هشة للتواجد الروسي، وتسعى لخلق توترات مختلفة كلياً عن الاضطرابات التي نشأت منذ بداية الأزمة، فعمليات الإفقار وفق المنطق الأميركي تشكل ديناميكيات التغيير لخلق نموذج لدولة فاشلة، ولوضع موسكو ضمن إخفاق سياسي في تعاملها مع حل الأزمة السورية.
عملياً فإن الإدارة الأميركية تعرف أن انسحابها من شرقي الفرات لن يغير الكثير في ظل الضغط الاقتصادي والسياسي على المنطقة، فخروج قواتها لن يشكل انفراجا ما دامت إمكانية إنهاء حالة الحرب غير ممكنة، والعودة إلى اقتصاد السلام ستبقى مرهونة برفع عقوباتها وإتاحة علاقة طبيعية بين سورية ودول جوارها الجغرافي على الأقل، فالمسألة لها لا تنحصر بانتصار الجيش والحكومة السورية، إنما في القدرة على إثبات السيادة الاقتصادية التي تشكل مدخلاً للسلم الداخلي على الأقل.
تدرك واشنطن أن حلفاء دمشق المحاصرين اقتصادياً أيضاً، غير قادرين على التعامل مع أزمات معيشية حادة كتلك التي يعانيها الشعب السوري، وتعرف أيضاً أن تكلفة الحرب تحتاج لبناء سلم داخلي أول مقوماته استرجاع دور الحياة الطبيعية داخل سورية إجمالاً، وهذا الأمر لا يبدو ممكناً في ظل حصار لا يتيح هامشاً واسعاً للخروج من تبعات الحرب.
ما نتعامل معه اليوم في الداخل السوري اختبار قوة من نوع مختلف؛ لأنه محاولة لإنهاء أي إمكانية لظهور حوامل تنموية، واستبدالها ببرامج المساعدات والقروض التي ستكون مشروطة بنوعية الحل السياسي، فالرهان القائم يقوم على استحالة الخروج من اقتصاديات الحرب من دون تشكيل سياسي – اقتصادي مختلف، وهو ما يشعر به المواطن السوري يومياً، وبعدم قدرة الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) على التعامل مع هذه الحالة المستجدة.
التعامل في ظل الظرف الحالي مع الاقتصاد يبدو اجتماعياً لأبعد الحدود، وبالتأكيد فإن رسم إنتاج داخلي لن يشكل بديلاً من الدخول في الاقتصاد العالمي، لكنه سيعيد رسم إستراتيجيات بقاء لسورية مختلفة، فالتعامل اليوم يظهر ضمن مؤشرين:
– الأول في اكتساب «الاقتصاد المحلي» دوراً في مرحلة إعادة الإعمار محلياً، وهذا الأمر هو إستراتيجية يمكن أن تدخل ضمن إطار وطني عبر «الإدارات المحلية».
الاقتصاد المحلي ليس تجزئة للإنتاج إذا كان حالة مرتبطة بـ«الإدارة المحلية» التي تتحول إلى «حامل وطني»، وهذا الأمر لا يبدو سهلاً لأنه يتطلب سياسات مختلفة تجاه الإدارات المحلية، وربما رسم إستراتيجيات له لتصبح أداة لخلق حالات تنموية بالدرجة الأولى محلية ولكن ضمن إطار وطني عام.
– الثاني جعل الاقتصاديات المحلية حالة متكاملة لا تتعلق فقط بتوفير الاحتياجات بل بخلق بدائل لقطاع الخدمات، فالمسألة هنا هي الخروج من الضغط المتواصل على حاجات المجتمع ومحاولة توفير الحد الأدنى للخروج من حالة الحرب.
المواجهة مع الحصار الاقتصادي ليست ترتيبات إدارية تفرضها الوزارات فقط، إنما التعامل مع ما هو متوافر وعلى الأخص الإدارات المحلية التي يمكنها التحول من وحدات إدارية إلى نقاط إنتاجية يمكنها توفير الحد المقبول كي لا يصبح الحصار الأميركي بيئة لاستمرار الصراع على سورية.