مواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية حافز للابتكار واعتماد الموارد الوطنية
| د. قحطان السيوفي
العقوبات الاقتصادية نوع من أسلحة الدمار الاقتصادي تفرضها دول الغرب الأميركي الأوروبي على دول أخرى كحصار اقتصادي لتنفيذ نهجها وتوجهاتها السياسية أو الاقتصادية. وتختلف آليات وأدوات الحصار، وتأثيراته تبعاً لظروف وأوضاع المناخ السياسي الدولي، واقتصادات الدول التي تفرض الحصار، وأيضاً الدول التي تتلقى هذا الحصار. بالمقابل فإن تأثيرات الحصار ووقعه على الدول يختلفان حسب مدى اعتماد الدولة المُستهدفة على العالم الخارجي (المساعدات، المنح، والقروض الخارجية…)، ومن ثم العقوبات إجراءات ضغط استعمارية استعراضية لفرض إملاءات خارجية مشبوهة، وإفقار الشعوب.
لقد فشلت سياسة الرئيس الأميركي السابق ج. بوش القائمة على القصف العسكري للشعوب… وجاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وخلفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليركزا على إحياء سلاح آخر، قديم جديد، يتمثل بالعقوبات الاقتصادية لمن لا ينصاع لأوامر وإملاءات واشنطن… وفي رأينا أن الرئيسين الأميركيين المذكورين قادا حملة تصغير وتقزيم للقوة والغطرسة الأميركية.
في عالم اليوم هناك العديد من الدول التي عانت من تبعات العقوبات الاقتصادية الغربية، كوبا، إيران، روسيا، كوريا، وسورية وفنزويلا اليوم.
الوقائع أظهرت إخفاق هذه العقوبات… خمسة عقود من العقوبات الاقتصادية ضد (كوبا) لم تنجح في إسقاط نظام الحكم في هذه الجزيرة الصامدة… إيران شنت عليها الولايات المتحدة حرباً اقتصادية منذ عام 1979، وصمدت طهران. في أواخر 2012 أقرت الولايات المتحدة عقوبات ضد روسيا، ومارست الضغط على أوروبا لمجاراة أميركا في فرض هذه العقوبات…، وبما أن معظم الغاز المستهلك في أوروبا مصدره روسيا فإن معظم دول الاتحاد الأوروبي أبدى عدم الارتياح للإملاءات الأميركية.
انطلاق القطب العالمي الجديد أو الثنائية القطبية ممثلة بالصين وروسيا، جعل الاتفاق على العقوبات في مجلس الأمن الدولي غير ممكن بسبب الفيتو الروسي والصيني. العقوبات ليست جديدة على السوريين، تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وفي العام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات بعد إدانة سورية للاحتلال الأميركي للعراق ورفض الإملاءات الأميركية ودعمها لحركات المقاومة، كما فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات في عام 2011، وكانت بمنزلة تصدير للمشكلات والأزمات التي تغرق بها أوروبا الغربية. ومع بداية الأزمة السورية فرضت الجامعة العربية عقوباتٍ على قطاعات رئيسية في سورية، ما أضر بمصالح دول الجوار، الأردن ولبنان والعراق وتركيا أحد أكبر المؤيدين للإرهاب.
وعملت تركيا أردوغان على تسيير الترانزيت إلى دول الخليج عن طريق ميناء حيفا الإسرائيلي وذلك في إطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل. العقوبات الاقتصادية هدفت إلى التأثير في المجتمع والمواطن السوري، لكونها تمس معظم جوانب الحياة ومنها موارد الدولة. خلفت هذه العقوبات آثاراً على الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، ولكنها وفرت فرصة للمصنعين المحليين ليقوموا بتحسين ذاتي لعملهم، وتشجيع الإنتاج المحلي. أكثر من نصف الصادرات السورية كانت تذهب لثلاث دول عربية فقط، هي العراق ولبنان والسعودية، وهذا يعبر عن توجه عروبي في الاقتصاد السوري، ولذلك عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى ضرب هذا التوجه. سورية صمدت بشعبها ودولتها ووحدتها الوطنية أمام الحرب الاقتصادية الغربية التي أرادوا من خلالها وبالتحالف الغربي مع قوى الإرهاب العالمي، تدمير سورية الدولة والوطن… ولم تنجح هذه العقوبات في تحقيق أهدافها المشبوهة.
الأهم صمود المواطن السوري في أرضه ومع جيشه، يمارس عمله في مواقع العمل، يسهم في تقديم الإنتاج السلعي والخدمي في ظروف صعبة. تشير الدراسات والوقائع إلى أن الحصار الاقتصادي الظالم الذي يفرضه الغرب له بعض الآثار الإيجابية على الدول المحاصرَة لأن العقوبات الاقتصادية تدفع باتجاه تشجيع الاستثمار التلقائي الذاتي الوطني، حيث يمكن لسورية أن تجذب الاستثمارات الصديقة والوطنية المحلية، والاعتماد أكثر على المنتجات الوطنية بديلاً للمستوردات من الخارج رغم الآثار السلبية للعقوبات. يمكن لسورية أن تعتمد على تحفيز شعور المواطنين، والاعتماد على رؤوس الأموال المحلية والصديقة للقيام بالأعمال التي كان ينفذها الأجانب من شركات وأفراد من الدول التي تفرض الحصار. بمعنى آخر يمكن الاعتماد على الذات الوطنية للتخفيف من آثار الحصار، وإثبات القدرة الوطنية…
الهدف الرئيسي لمخطط التآمر على سورية كان ضرب الدولة السورية برموزها، ومؤسساتها… ومن ضمنها الاقتصاد. سورية قادرة على إيجاد بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديراً، لذلك كان الاتجاه شرقاً، والتعاون مع مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون وأميركا اللاتينية فالأزمة ظرف غير عادي يتطلب إجراءات ومعالجات غير عادية، ويحتاج لقرارات شجاعة وحكيمة وواقعية. لابد أن تضع الجهات المسؤولة في الحكومة سلماً واقعياً لأولويات العمل بهدف مواجهة تداعيات الأزمة والعقوبات، في مقدم هذه الأولويات الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين ضمن الإمكانات المتاحة، والأولوية الثانية تتمثل في دعم الإنتاج الزراعي والصناعي … إضافة إلى دعم وتشجيع الصادرات، وهذا يحتاج لمبادرات، وابتكار آليات عمل، تخفف من آثار العقوبات الاقتصادية.
المواطن السوري الصامد يستحق من المسؤولين الحكوميين الاهتمام المطلوب ضمن الإمكانات المتوافرة. أمثلة على إمكانية تخفيف المعاناة عن المواطن السوري… ضرورة مراقبة أسعار المواد الغذائية المنتجة محلياً والضرورية للمستهلك مثلاً، المزارع المُنتج للحمضيات يبيعها اليوم بأسعار متدنية لتصل إلى المستهلك بأسعار مرتفعة (حوالي أربعة أو خمسة أمثال سعر المنتج). لماذا تذهب الأرباح الفاحشة للوسيط على حساب المستهلك والمنتج؟ أين آليات الرقابة التموينية للتجارة الداخلية؟ مواضيع عديدة تدور حولها تساؤلات كثيرة!… نحتاج للمعالجة ولمبادرات، وابتكار آليات عمل تنفيذية، تتلاءم مع ظروف الأزمة التي يعيشها الوطن والمواطن الصامد، كشجر السنديان، في أرض وطنه، ينتج ويقدم التضحيات…
نعم المطلوب من المواقع الحكومية التنفيذية المزيد من الجدية والاهتمام بمحاربة الهدر الفساد… وإعطاء العملية الإنتاجية ما تحتاجه، والاعتماد على مواردنا وإمكاناتنا الذاتية لتعزيز صمود الوطن ضد الحرب الإرهابية… وضد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها القوى الاستعمارية على سورية. أدت العقوبات إلى بعض التأثيرات في الاقتصاد السوري ولكنها كانت أقل مما توقعته العقول الموغلة في المؤامرة.. الحصار الاقتصادي. حافز للإبداع، لأن الكوادر الفنية والتقنية الوطنية تستطيع في ظروف الحصار أن تقوم بأعمال إبداعية. باختصار الحصار الاقتصادي يسهم في الاعتماد على الموارد الوطنية. وستكلل العقوبات الاقتصادية الغربية بالفشل والإحباط… وستكون العقوبات الاقتصادية حافزاً للابتكار والاعتماد على الموارد الوطنية.