في الأبعاد الحقيقيّة للأزمة…دراسة توضيحيّة للأزمة السوريّة وأسباب نشوئها
كَثُرَت الآراء التي اهتمت في تحليل الأزمة السوريّة، وزادت الادّعاءات التي رافقتها، والتي دلّت على تشوّهات مدّعيها، من خلال سقوطها فيما بعد، إذ لا يمكن اختصار الأزمة في سورية ضمن بعدٍ واحدٍ، سواء داخليّاً أو إقليميّاً أو خارجيّاً، فهي أزمة مركّبة الأسباب، ومعقدة في عناصرها، وأهدافها. ويحاول كتاب (في الأبعاد الحقيقيّة للأزمة)، لمؤلّفه (د. خلف المفتاح)، رَصد هذه الأزمة من أسباب تشكّلها، وقيامها، إلى الظروف التي رافقتها، والرعاية لتسييرها، في طرقٍ قذرة، مبيناً الضغوط المحيطة بسورية، وإرهاصاتِ التآمر التركيّ تحديداً، وعلاقة المواطن العربي السوري بالسلطة، وتبيان أن الأسباب الداخليّة لا تمت بصلة للأسباب الخارجيّة ولا قرابة بينهما، مع إلقاء الضوء بقوةٍ على الإعلام المستعرب، مبتدئاً من مشاهد غير مألوفة رصدها من تونس عام 2010 وصولاً إلى سورية، بعد رحلة من صورِ التلفيق، والمهارة في صنعها، برعايةٍ غربية تُتقن أصول اللعبة الفضائيّة.
أيضاً في هذا الكتاب صفحاتٍ مهمّة سلّطت الضوء على المال النفطي، الذي رُصد وقوداً للأزمة السوريّة لازدياد استعارها، وتنشيط الإعلام الكاذب إلى جانب ذلك، على الرغم من إصرار القيادة السوريّة منذ بداية الأزمة على أن الحوار هو الطريق الذي يَحفظ الوطن، ويضمن السلامة للجميع، بعيداً عن الأخطار الخارجيّة، وبقي هذا المبدأ حتى يومنا هذا ليثبت للجميع أنه الحلّ المناسب باعتراف دولي.
يُناقش كتاب (في الأبعاد الحقيقيّة للأزمة) مفاهيم كثيرة، كالحريّة، وتمظهراتها، ومناقشة مفهوم الحريّة المجرد، ونظرة الدول التي لا تعي حقيقة ما يجري في سورية، وحالة التبعيّة التي لجأت إليها دول الغرب كي تُخضع سورية في سياقها، متجاهلين مبادئ القانون الدولي، وسيادة الدولة على أراضيها، ومتجاهلين أيضاً أن الحريّة ممارسةً قبل أن تكون مفهوماً نظريّاً، وفي قسمٍ مهمٍّ من الكتاب تمّ توضيح تأثير (إيباك) كمنظمةٍ، في القرار الأميركي دائماً، منذ نشوئها، وتصريحاتها الواضحة في الدعوة لتبني سياساتٍ منحازةٍ انحيازاً مطلقاً للصهاينة، والصهيونيين، والدعم المطلق للكيان الإسرائيلي، وتسابق المسؤولين الأميركيين لخطب ودّ هذا الكيان، والتذكير دائماً بأن أمن إسرائيل يؤرّقهم. في قسم الأفكار الاقتصاديّة، وتأثيرها في السياسة الأميركيّة؛ يبيّن الكتاب الأساس المكين الذي تقوم عليه الدولة الأميركيّة، وهو رأس المال، الذي يهيمن على السياسة، والسياسيين هناك. أمّا في العلاقات العربيّة – الأميركيّة فيحلّل الكتاب مسألةً غاية في الأهمية، وهي أن الولايات المتحدة، تسعى إلى أن يصبح العالم العربي، عالماً ديمقراطيّاً، تسود فيه سيادة القانون، ومبادئ حقوق الإنسان! معتمداً على تحليل الكثير من المواقف التاريخيّة، التي اتخذتها أميركا، ضدّ العرب، والمسلمين، والآسيويين… وصولاً لخطاباتِ (أوباما) التي تصبّ صراحةً في أمنِ إسرائيل، والمحافظة على كيانها، وترسانتها النوويّة.
ناقش الكتاب أيضاً العلاقات السوريّة – الأميركيّة؛ التي اتّسمت بالتأرجح، بين شدٍّ، وجذب، بسبب نقاطٍ خلافيّة بين الطرفين، لا يمكن التغاضي عنها، لذلك كانت حالات الهبوط طاغيةً وأكثر ملاحظةً، على الرغم من محاولاتٍ أميركيّة في إذابةِ الجليد، في محاولتين، الأولى كانت في زيارة الرئيس الأميركي الراحل (ريتشارد نيكسون) بعد حرب تشرين التحريريّة، والثانية في زيارة (بيل كلينتون). ويلقي الكتاب على مزيد من الدقائق التاريخيّة المتوترة، التي وصفها بالعلاقات السوريّة – الأميركيّة، وفي الكتاب أيضاً جملة استنتاجاتٍ، شاركها الكاتب مع القارئ، بعد عدّة أبوابٍ تمهيديّة، فتحت المجال لوصل الأفكار، بصورةٍ منطقيّةٍ، لفهم أبعاد الأزمة التي تعرض لها الوطن، مع عناوين مهمّة منها: السمات العامّة للسياسة الخارجيّة السوريّة، وركائز السياسة الخارجيّة السوريّة، ومبادئها، وأولويّاتها، وخصائص الشخصيّة العربيّة، وصولاً إلى طرحه لسؤال غاية في الأهمية وهو متى تنتهي الأزمة في سورية؟