المصطلحات التي رافقت الحرب الفاشية على سورية دولة وشعباً، كانت ومازالت مثيرة للاهتمام والبحث، فمن مصطلح «النظام» ثم «الثورة السورية» إلى «شاهد عيان» و«منشق» و«جيش حر» و«الجهاد الحلال»، وأما دولياً فقد نشأت مجموعة «أصدقاء سورية» و«أصدقاء الشعب السوري»، كما انتشرت مصطلحات إعلامية سياسية فضائحية مثل «الناشطون، العواينية، الشبيحة.. إلخ»، وترافق كل ذلك مع تقسيمات كانت تتطور مع الحاجة لدعم مشروع إسقاط الدولة السورية، ففي بداية الأحداث عام 2011 تم تقسيمنا إلى موالاة ومعارضة، ثم عندما أخفق هذا الاتجاه انتقلوا لاحقاً إلى التقسيمات المذهبية المعروفة، وكذلك الإثنية ضمن إطار منظور جيوسياسي لتضليل المجتمع السوري.
لقد ذهب بعض من سموا أنفسهم «معارضة سورية» إلى نظرية «الصفر الاستعماري» وهي السابقة التي ارتبطت بامتطاء المعارضة العراقية للدبابة الأميركية عام 2003، ورأى البعض منهم وخاصة «الإخوان المسلمون» وحتى بعض اليساريين والليبراليين، جواز الاستعانة بالخارج مهما كانت مشاريعه، وأجنداته لتغيير الداخل، أي أتاحوا لأنفسهم الاعتماد على الدبابات الأميركية، والتركية والإسرائيلية، وحتى الشيطان للوصول إلى «قصر المهاجرين» كما كانوا يتوهمون.
سقطت هذه الخيارات جميعها بصمود القيادة والشعب والجيش، وها قد مضت سنوات ثمان على كل هذه الأحداث التاريخية المفصلية، والفشل يجر الفشل، واضطر كل الخصوم والأعداء لتجرع كأس المرارة بسقوط خياراتهم ومخططاتهم، وأهدافهم التي أعلنوها.
بعض «النُخب»! السورية تعتبر أن الصراع الأساسي هو صراع مع الفاسدين في البلد، وأولئك الذين يستثمرون ظروف الحرب للإثراء على أكتاف الفقراء، وأن أزماتنا منبعها داخلي بحت، ولا دور للعوامل الخارجية فيها، وأنه لو أتينا بشخصيات وطنية محترمة، فإن كثيراً من الأشياء سوف تُحل، وتخفف عن الناس أثقال هذه الحرب، وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والأهم المعيشية.
وإذا كنت لا أقلل أبداً من تأثير هذه العوامل في التفاعلات الداخلية، وفي حالة النقمة العامة التي تسود الأوساط الشعبية بسبب تتالي الأزمات المعيشية التي أثقلت كاهل السوريين، وأدعو مع غيري من السوريين إلى ضرورة التعاطي الحازم والصارم وغير المتردد، مع أي كان من أولئك الذين يستغلون الأزمات للإثراء، أو لإذلال المواطن، أو للتسبب في التوتر الاجتماعي، لكني أؤكد داعياً، أولئك الذين يستثمرون هذه الأزمات على وسائل التواصل الاجتماعي، بادعاء الدفاع عن مصالح الناس وهو حق لكل مواطن، إلى التروي والتفكير والكتابة برقي وعلمية وموضوعية، وتقديم الحلول الممكنة والضغط على الحكومة عبر اجتراح حلول إبداعية للأزمات من دون الذهاب باتجاهات تثير المواطن، وتزيد غضبه ونقمته وتفكك هذا التكاتف الاجتماعي الشعبي الذي أظهره الشعب السوري طوال هذه السنوات حول دولته، ووحدة وطنه، وفي مواجهة قوى البغي والعدوان التي كشفت أهدافها الحقيقية علناً، ومن دون خجل بالقول: لقد أنفقنا أكثر من 137 مليار دولار على تدمير سورية، بحسب وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، وأما الإسرائيلي فقد اعترف كبار قادته بالتمويل، وتقديم السلاح للمجموعات الإرهابية، وزد على ذلك الفرنسي والبريطاني والتركي والسعودي… إلخ.
إن الذهاب بالتحليل إلى أن العوامل الداخلية أساسية فيما يجري في سورية هو اتجاه قاصر وظالم ومجحف وغير دقيق، لأن الفهم الصحيح يقول إن استهداف سورية للهيمنة عليها قصة قديمة ومستمرة، وإن «العلاك النظري» حول الديمقراطية والحريات، وحقوق الإنسان ليس إلا أداة نصب واحتيال لتفكيك المكونات الاجتماعية للشعب السوري، وهو ما ميز دائماً إستراتيجيات القوى المهيمنة منذ نهاية عصر الاستعمار التقليدي، أي بمعنى يشغلون الرأي العام بنقاشات نظرية ليست أساسية ولا يهتمون بها، من أجل الوصول للأهداف الحقيقية والأساسية.
طوال سنوات الحرب ونحن نقول إن الإصلاح وتطوير الذات، والحريات المنضبطة والمسؤولة، والديمقراطية الهادفة هي حاجات وطنية مطلوبة منا من أجل بلدنا وشعبنا، وليس من أجل أخذ شهادات حسن سلوك من أحد، وهو أمر نؤكده دائماً، الآن وفي المستقبل.
أما البعض فإنه مازال يعتمد على تحريك مشاعر الغوغاء، والدهماء عبر استثارة الغرائز والسب والشتم، من دون قيادة واعية، وموجهة للرأي العام، لا بل ومسؤولة عما تكتب، وتُنظّر في هذه المرحلة الحساسة جداً، والهدف ليس الدفاع عن مصالح السوريين، وإنما نجومية افتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما تحاول معرفة ماضي هؤلاء النضالي الكبير، تجد أن أصواتهم غابت، وبلعوا ألسنتهم في السنوات الأولى والصعبة من هذه الحرب الفاشية على بلدهم، وكانوا ينتظرون الفرصة تلو الأخرى ليطلوا علينا بتحفهم الأدبية والنضالية، على حين اختبؤوا تحت الطاولات في لحظة الاصطدام مع قوى العدوان.
إن تحريك الفوضى مرة أخرى تحت عناوين جديدة مسألة خطيرة، فلقد تم استخدام «الغوغاء» من البعض في السنوات الأولى للحرب، فدمروا الأخضر واليابس، ومازلنا ندفع ثمن أولئك المرتزقة الذين جلسوا عبر الشاشات في عواصم العالم ليحرضوا على بلدهم وشعبهم، وكي تكون الفكرة واضحة جداً لأولئك الذين يصطادون عادة في الماء العكر، نقول: إن ما نقصده بالغوغاء هم أولئك الفوضويون العبثيون الذين يتسببون من حيث يقصدون أو لا يقصدون بالاضطرابات من دون فهم عميق للأحداث، ومن دون إدراك للأعداء الحقيقيين فيهاجمون كل شيء، ويعارضون كل شيء، ويشتمون الجميع من دون وعي وإدراك أن عدوهم الحقيقي سوف يشجعهم على المزيد من الهستيريا والتأجيج وإشعال النار.
في هذه الأيام أيها السادة تكتفي القنوات الممولة من الخارج، في تركيا أو غيرها، باستعارة الفيديوهات والمقالات والبوستات التي تعبر عن سخط، ونقمة المواطن السوري، لتستثمرها في حملتها النفسية والإعلامية ضد سورية الدولة والوطن، ومن باب التهكم، كتب المدعو فيصل قاسم على مواقع التواصل: «إنه بات عاجزاً عن مجاراة المؤيدين للدولة السورية في الانتقادات الموجهة للحكومة السورية».
السؤال الآن: هل المطلوب إسكات الناس، والنُخب عن نقد الحكومة كي لا نُسلم الخارج أدوات مجانية لاستهدافنا؟ لا، لا، أبداً: المطلوب الارتقاء بمستوى النقد، وأن يكون هادفاً وعلمياً وموضوعياً ومقترحاً للحلول، لا أن يكون مكاناً للسب والشتم، واستخدام أقذع الأساليب غير الأخلاقية، تحت لافتة نقد الحكومة، لأننا بهذا الأسلوب الوضيع نخدم أعداءنا وهو أسلوب غوغائي فوضوي يجب أن يتوقف.