ثقافة وفن

الإذنّامة.. والموافقة على الزواج

| منير كيال

قصد أسلافنا من مقولة الإذنامة، طلب موافقة المحكمة الشرعية على زواج الفتاة من الشاب.. فقد كانوا يعلقون هذا الطلب ببهو المحكمة الشرعية مدة لا تقل عن خمسة عشر يوماً لإطلاع معارف الشاب والفتاة (العروسين) على ذلك الطلب، وقد يعلقون ذلك الطلب بالمسجد القريب من منزل الشاب كما يعلقونه بالمسجد الأقرب لدار أهل الفتاة، كما يعلقونه عند مختار الجانبين.
والغرض من ذلك بيان اعتراض أي من كان من معارف الجانبين، على ذلك الزواج، إن كان بين الشاب والفتاة رضاعة أو كانت الفتاة على ذمة رجل آخر بموجب عقد غير مسجل بالسجلات الرسمية وهو ما يطلق عليه اسم: كتاب براني. كما يمكن أن يكون الغرض من ذلك بيان إذا كان على ذمة الشاب أربع زوجات إحداهن غير رسمية أي غير مسجلة بالسجلات الرسمية وذلك وفقاً للأعراف المعمول بها لدى عامة الناس.
كان أهل الشاب وأهل الفتاة يتحسبون من هذه الإذنامة، خوفاً من أن تكون عائقاً يحول دون زواج الشاب بالفتاة، نتيجة لما تحمله هذه الإذنامة من قيود. وخاصة ما كان يتعلق بالرضاعة بين الشاب والفتاة، فقد كان هذا الموضوع على نحو كبير من الأهمية. لأن الشريعة الإسلامية لا تقر زواج شاب بفتاة. إذا بينهما رضاعة من امرأة، أكانت هذه المرأة والدة للشاب أم كانت والدة الفتاة، أو امرأة أخرى أرضعت الشاب والفتاة، لأن الأولاد الذين رضعوا من تلك المرأة هم إخوة، وبالتالي لا زواج بين الإخوة.
وهذه الرضاعة متعددة المآخذ والأسباب فقد تكون أماً مرضعة لطفل نضب حليبها لسبب من الأسباب، فرضع ابنها من سيدة ترضع ابنة لها فيكون الطفل والطفلة إخوة بالرضاع، فلا يجوز لهما الزواج من بعض.
لكن ذلك لا يمنع زواج أبناء وبنات السيدة الأولى الآخرين من أبناء وبنات السيدة الثانية، لأن القاعدة الفقهية تقول: اترك الرضعي وخذ أخيه.
وكان زواج الشاب من ابنة عمه حق لهذا الشاب وهذا متعارف عليه، فكان لابن العم أن يقف حائلاً أمام زواج ابنة عمه من غيره، كما أن له الحق أن ينزلها من على ظهر الفرس أو الحصان الذي ينقلها إلى عريسها ليلة زفافها.. وبالتالي فقد كان لأهل ابن العم الاعتراض على ذلك الزواج، ولهم اللجوء إلى وجهاء الحي لمنع زواج تلك الفتاة من غير ابن عمها، ما لم يقم أهل الشاب المرشح للزواج منها بإرضائهم.
وعلى هذا فقد كان أهل الشاب وأهل الفتاة يتحسبون من تلك الإذنامة، خوفاً من أن تكون عائقاً يحول دون زواج الفتاة والشاب.
ولم يكن المهر (الصداق) معجله ومؤجله عائقاً لعقد الزواج، حتى إن من الأسر من كانت تتناسى موضوع البحث بهذا الأمر أسوة بقول رسول الله (ص): «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ولو على شق تمرة، لئلا تكون فتنة بالأرض وفساد كبير».
كما أن زواج المصلحة كان قليل الحدوث، فكان من المهور ما قدّر بالقروش والبارات وتحدثنا الوثائق التاريخية، أن المهر بمطلع القرن الرابع عشر كان بين (3000- 5000) قرش والمؤجل بين (300- 600) قرش للبنت البكر، وأقل من ذلك بالطبع للفتاة الثيب أو المطلقة.
لكن ذلك المهر أو (الصداق) أصبح على نحو آخر، بأول الحكم العثماني، وذلك نتيجة لما أصبح الناس من تفاخر وتباه بموضوع المهر، وذلك بتقليد أصحاب السلطة ومن والاهم من المبالغة بالمهور. الأمر الذي نجم عنه عزوف العديد من الشباب عن الزواج أو السعي للزواج من امرأة ميسورة على نحو محدود من حُسن الهيئة (الجمال) فقالوا بذلك:
يا آخذ القرد على ماله
بيروح المال وبيضل القرد على حاله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن