ثقافة وفن

كيف تراجع الإنتاج الثقافي العربي؟

| د. رحيم هادي الشمخي

في بداية القرن العشرين، كان واضحاً الدور الكبير المنوط بالمثقف العربي، منتج المعرفة والإبداع، كانت الطبقة الوسطى، تطمح إلى إعادة التوازن بينها وبين الغرب المستعمر، واثقة من قدرتها على مزاحمته، وتدشين ثقافة حديثة وتأسيس الرواية والنحت الحديث، والفنون التشكيلية، والعمل على تأكيد الحرية الأكاديمية مع إعادة تأكيد هويتها التي تجلت في ازدهار نشر التراث وتحقيقه، وازدهار مدرسة الأدب، وتجديد الموسيقا العربية، في مرحلة ما بعد الاستعمار وصعود الإيديولوجيا الكفاحية التي تحدد دور المثقف في تعضيد النضال ضد الاستعمار والدعوة إلى قيم التصنيع، واللحاق بأوروبا وتجاوزها من خلال دمج المثقف في مؤسسة الدولة البيروقراطية التي أسرفت في (أدلجة الثقافة).
في سياق مثل هذا لابد أن يتراجع الإنتاج الثقافي العربي، مات المسرح، من دون حتى إتاحة مأتم له، ومازالت السينما تحشرج حتى الرواية والشعر تراجع إنتاجهما، وكلما بزغ في الأفق شيء بشيء مختلف وتدفأ مهده بطريقة من الطرق التي يصعب حصرها منذ سنوات بدأت حيوية في قصيدة النثر، تبشر بشيء لكن سرعان ما خففت كل شيء، هاجر النقاد والشعراء، واعتلى المنبر مدرسو العروض من النظامين، ومن يشك أقول: عليه أن ينظر فيما ينشر للناس، نحن نعيش على ما أبدعه طه حسين وإدريس وجاهين وعبد الصبور ومحفوظ، وبعض الترجمات التي تخرج من المطبعة إلى المخازن، وأصبح من النادر أن تعثر على كتاب قيم، أسأل نفسي كم دراسة أكاديمية في تخصصي قرأتها هذا العام، ولكن وللأسف تراجع الإنتاج الثقافي في الوطن العربي، في السنوات الأخيرة في الميادين كلها، الرواية والشعر والنقد الأدبي والفكر والمسرح والسينما، سنة وراء سنة يتضاءل هذا الإنتاج ويضعف وينزوي، ويرحل الجيدون من المثقفين، من دون أن ترفد الثقافة بمن يحلون محلهم، كثيرون سيمتعضون من كلامي، بل قد ينبري بعضهم للذود عن شرف عروبتهم الثقافي مشيراً إلى شخص آخر، أو كتاب ظهر هنا أو هناك لكن ذلك استثناء يؤكد القاعدة، الواضح أن الإنتاج الثقافي العربي يتراجع يوماً وراء يوم، وأن السلعة الثقافية العربية توغل في ضعفها وتهافتها، ثقل قيمتها التبادلية والاستعمالية والرمزية، ولا أحد يريد أن يتوقف قليلاً، لكي يتساءل عن الأسباب، إنهم يفتعلون معارك تنتمي للخمسينيات.
مثقفون يصمتون كما يجري في وطنهم العربي من ويلات واحتلالات أميركية وأطلسية ومؤامرات تحاك للعرب ومنها سورية العربية، وهناك مثقفون يبحثون عن متنفس لهم خارج الحدود، ونحن نوغل في الصمت واليأس، نبحث عن صوت جديد يأسرنا أو عن كتاب جديد يهز هذا الوهم الذي تحول إلى موات ثقافي لكننا نعود ونتذكر أن كل شيء حولنا يدفع إلى الفقر المادي والروحي، كيف ينتج إنتاجاً رفيعاً، هؤلاء البؤساء الذين يقضون يومهم بحثاً عن الرزق وتحايلاً على الوحوش غير المرئية التي ترفع سبابتها تحذيراً وزجراً ووعيداً، هل عقمت مجتمعاتنا وأضحت عاجزة عن إفراز مبدعيها؟ هل صارت وحوشاً متعددة الرؤوس والأذرع؟
هل تعب المثقف العربي وصمت لأنه لا يجد من يقرأ عليه مزاميره؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن